أسئلة الكتابة الخمسة: محمد خضر

الأربعاء - 15 مارس 2017

Wed - 15 Mar 2017

يسرح القصائد ويسدلها على كتف الليل نجمة نجمة، تلك القصائد التي تشد عضدك بالحياة وتهبك الضوء وإن كنت مغمورا بالعتمة من أقصاك إلى أقصاك.



ضمن سلسلة آفاق عربية كانت آخر إصداراته الشعرية "لئلا ينتبه النسيان"، والتي تضمنت مختارات من أعماله منذ 2002 وحتى 2014، هنا وفي هذا الحوار يحدثنا "محمد خضر" عن علاقته باللغة وآفاق الكتابة:



ماذا تكتب؟

كنت أقول في نفسي إنني أكتب الأشياء التي أحلم بها، والتي لم أستطع أن أقولها في موقف ما، والأشياء التي قادتني في البداية إلى اللجوء للكتابة، مثل: الخوف والحيرة والتساؤلات والخطوط الملونة حمراء وبيضاء وزرقاء. في فترة كنت أكتب ما يشبه التكهنات عن كل شيء، ثم وجدتني أكتب مفقوداتي، ثم وجدتني مع الكتابة التي تحفظ سيرة الروح وما تمليه الاحتشادات والتراكمات في داخلي.



وما زلت من مكان لمكان أحاول مع كل هذا أن تكون علاقتي باللغة أوسع من مدى اللحظة، ولذا أكتب أحيانا ذلك المأخوذ من العادي واليومي والمهمش كي أمنحه حياة أوسع. ودائما كانت هناك مواضيع ومضامين لا أرى أنها مادة للكتابة، إما لأن فلسفتي مختلفة حول الكتابة أو لأنها تحمل لغة مختلفة أكثر من لغة المكتوب.



لماذا تكتب؟

أكتب لأستبق وعودا كنت زخرفتها في القلب، ولأكتشف فداحة الحياة مقابل أحلامي، أكتب لأتساءل وأفكر وأصرخ وأدين العالم. وأكتب لأنه لدي قصة كاملة عن حياتي، قصيرة جدا وبدون تعليقات جانبية، العمر الذي يمكن قراءته في صالة انتظار العائدين من سفر أكيد. ولأن الكتابة مكان آمن وحر، نافذة كانت مفتوحة حين عرفت النوافذ المؤصدة، وواسعة مهما ضاقت العبارة.



لمن تكتب؟

للمرة الأولى أجيب على هذا السؤال، ذلك لأنني مؤمن بأن من يقرأني سيصل إلى إجابة ما، ولأن الوصول كذلك يفضي إلى الطمأنينة والمحدودية فقط. أحاول في كل مرة ألا أنتبه لإجابة محددة، ما أعرفه أنني أكتب لأولئك الذين ستتقاطع لحظات من حياتهم في يوم ما مع سطر في قصيدة أو عبارة كتبتها هنا أو هناك. أكتب لذلك الشخص الذي ‏لا ينتظر في النهاية أن يصل إلى رياضيات محددة أو معلومة أو مخدر ما، لذلك المشغول بدهشة ما، وللمؤمنين أننا قد نجد أنفسنا تماما في عبارة لم يلتفت لها أحد. أكتب وأعرف أنهم كثر في أماكن كثيرة من تصلهم الكلمات في حديقة، ‏أو غرفة معتمة أو ممر من الحجارة الملونة، أو قبل أن يحسم أحدهم أمر مصيري بثوان. ‏وأكتب للذي يسرح وحيدا وصامتا، ولعابر لم يكن منتبها أنه فكرة نص فريد.



للحزانى والمهمشين والمتعبين من هذا العالم.



متى تكتب؟

أعتقد أن المبدع لو جرب أن يحدد وقتا سينجح، خاصة أنه قد قطع شوطا طويلا في علاقته مع اللغة وآفاق الكتابة، لكن كما أسلفت لا وقت محدد .. أحيانا أفضل الصباح المبكر أو الليل المتأخر، ومع بعض مشاريع الكتابة كنت ألزم نفسي بساعة في اليوم دون أن أحدد متى تكون، المهم أنها ساعة وقد تزيد. لكني ألاحظ أن بعد منتصف الليل هو أكثر وقت كتبت فيه، كذلك الوقت مفتوح مع الأمكنة التي أزورها للمرة الأولى. وحقيقة أكتب في فصل الشتاء أكثر من أي وقت آخر، ربما لأنني أتعمد جزءا من ذلك.



كيف تكتب؟

لحظة الكتابة بالنسبة لي عصية على الفهم.. لم أفهمها تماما، ولا أحاول عادة اكتشافها، لا وقت محدد، ولا فضاء محدد، أكتب في الهدوء مثلما في الصخب، بل أعتقد أن أجمل ما كتبت كان في عز الصخب، وفي أمكنة لا متوقعة مثل انتظار دور عند طبيب الأسنان، أو قبل النوم. ولا أعرف لم أكتب جيدا حين أكون في مكان جديد.. غرفة فندق، حديقة، مقعد طائرة، أدون عبارة أثناء المشي أو الجلوس سيان. وأخيرا صرت لا أكتب إلا على الجهاز المحمول أو الكمبيوتر مع أني أعشق الكتابة على ورقة بيضاء تماما وتمنحني أكثر.