أسئلة الكتابة الخمسة: عبداللطيف بن يوسف

الثلاثاء - 14 مارس 2017

Tue - 14 Mar 2017

من بين العمال ودخان المصانع، من المكان الأقل احتمالا، خرجت القصيدة. "عبداللطيف بن يوسف"، الشاعر السعودي الذي امتهن الشعر قبل الهندسة، من اللحظة الأولى للحياة،عندما أنجبته أمه في ليلة امتحان الأدب وحكمت عليه بناء القصيدة، ومنذ ذلك الحين وهو يحاول فهم العالم من خلال الشعر، بل ويؤمن تماما أنه محاولة حقيقية لا مجازية لحل كل شيء.



في هذا الحوار يحدثنا "عبداللطيف" عن هندسة الكتابة، هندسة الروح:



ماذا تكتب؟

أحاول دائما كتابة أفكاري تجاه الحياة والوجود، مستخدما الشعر كوسيلة تعبير عن تلك الأحاسيس الملتبسة، وهو برغم اعتباطيته يكشف عن مساحات غير مفكر بها، ويترك النص مفتوحا للتأويل والقراءات المتعددة، ومنها قراءتي الشخصية للنص بعد الانتهاء منه، بحيث تبقى بعض الأفكار غائمة في الذهن حتى إذا كتبتها انتبهت لها، سواء بتحليلك الشخصي، أو بقراءة الآخر.



لماذا تكتب؟

في ظل حياة مليئة بالعادات والتقاليد والبروتوكولات وما ينبغي وما لا ينبغي، ومجتمع يكبل لسانك ويجعلك مرتبكا حتى في رد السلام، وثقافة ترفض كل محاولة أخرى للتعبير، ونظام وظيفي يمنعك من كل ممارسة خارج أنظمة العمل والعمال، في ظل هذا الضيق الدائم، وضرورة التوجس من كل تصرف يبدر منك، وما قيل قديما عن أن الجدران لها آذان، كانت الكتابة هي الحل الوحيد للحرية، فأنا أكتب لأكون حرا، هذه الورقة التي بين يدي هي الكائن الوحيد الذي يتقبل هذياني وخرافاتي وأحلامي البسيطة، لا تجادلني، ولا تطالبني بتبرير، ولا بتفسير، لذلك أكتب لأن الحرية ضرورة لأستمر في حياة القيود وأعلل النفس بتلك النافذة الوحيدة للتنفس والاستمرار حتى يأذن الله بأمره.



لمن تكتب؟

مبدئيا أنا أكتب لأتنفس، لأعيش، كأن المسألة شخصية تماما، لا علاقة لأحد بها، لذلك تظل معظم أوراقي بحوزتي ولا أنشرها، ولكن من ناحية أخرى أكتب لأصرخ في وجه العدم، لأقول له خذ جسدي الفاني، ولكن لن تستطيع أن تأخذ حروفي، لأن لي لغة بعدي، فأنا سأموت ولكن النص يجب أن يبقى وأن يكبر، وإن كنت لا أعرف تماما كيف سيعيش، ولكني أفعل كل ما يمكن ليكون ذلك، إما بالنشر في الكتب والمجلات والصحف، أو بالأمسيات ولقاء الجمهور، أو بالتقنية التي تكاد أن تبتلع العالم بأكمله، بكل ما يمكن أن يتوفر لي، لأني لا أريد لهذا النص أن يموت، وبعبارة أخرى أريد أن أحيا ولو كجهشة في صدر طروب.



متى تكتب؟

أكتب حسب توقيت ساعة قلبي، وحتى الآن لم أضبط ساعتها تماما، حاولت قديما أن أستكتب قلمي في ساعات محددة وكانت النتائج فادحة، ويبدو أن الشعر لا يمكن أن ينضبط تحت أي نظام أو برنامج، فهو يأتي هكذا كالبرق أو كالقدر المفاجئ، أقصى ما أستطيع هو أن أجهز نفسي لاستقباله بأن أعد المساءات وأصغي لكل ما حولي برهافة عالية، لأن الإلهام من الممكن أن يخرج من كل شيء حولنا، كالشرارة التي يندلع منها الحريق، وفي الشعر في ذلك العالم المتخيل، كل شيء قابل للاحتراق.



كيف تكتب؟

بتعبير مجازي أستطيع أن أقول: أنا أكتب بالممحاة، مع مرور السنوات اكتشفت أن الخبرة أكسبتني قدرة المحو، وإسقاط العوالق الزائدة من النص، فالكتابة شأن الموهبة، ومهمتي الوحيدة هي أن أشطب وألغي، وأشذب وأنقي، هكذا أتصور، وربما لكوني من جيل أصبح يكتب بطريقة الكترونية أصبح المحو أسهل مما كان في الماضي، بكبسة زر واحدة تلغي مجموعة شعرية كاملة، لكني أحيانا يكون لي دور أكبر من ذلك بالدخول في حوار مع النص، بحيث أقترح خيارات أخرى على مستوى المفردة أو التركيب أو الفكرة، وأستمر في الحوار معه، وهو حوار يظل بداخل رأسي، وأنا أسوق سيارتي، وأنا في عملي، أو بين أهلي، يستمر الجدل الشعري إن صح التعبير حتى نصل إلى رضوخ أحدنا إلى الآخر، كأن الشعر صديق يسكن بداخلك ويعيش معك في كل ممارساتك اليومية، لا أحد ينتبه لكلامكما أبدا، لذلك أتفق مع مقولة حمزاتوف "لم أشعر بالوحدة أبدا فالشعر كان دوما معي"، بهذه الطريقة تكبر القصيدة داخل رأسي ولا تصل إلى الورقة إلا بعد مجزرة لغوية، ونقاش فكري حاد، تصل منهكة وتريد أن تستريح بين عيني قارئ يحسن الظن بها، قارئ يتعامل معها كحالة جمالية يعلق عليها بكلمة واحدة (الله).