هبة قاضي

كلام الليل زبدة

دبس الرمان
دبس الرمان

الاحد - 12 مارس 2017

Sun - 12 Mar 2017

ما أجمل تلك البدايات العامرة بالمشاعر، المشحونة بالعواطف، والمليئة بالآمال. فتلك الفتاة يتقدم لها شخص يمتلك من المواصفات ما يجعلها دون تفكير توافق على كل شروطه. وهو يجد نفسه أمام من يحسبها فتاة أحلامه فيجد نفسه يقول نعم لكل شروطها ومتطلباتها وتطلعاتها، وكلا الطرفين يقنعه قلبه في محاولة لإخراس صوت العقل (بعد الزواج ومع العشرة والوقت سأستطيع تغيير الطرف الآخر وإقناعه بما أريد). وصاحب الفكرة الشغوف الذي وجد نفسه فجأة أمام من يؤمن بفكرته وهو الذي رغم حماسه متردد وبحاجة لمن يثق به ليساعده على تحقيق مشروعه وتحويله لحقيقه. ورغم أن قواعد الشراكة والأدوار ليست واضحة تماما ولكن لا يهم فذلك سيظهر بعد بداية العمل، وحينها ستدبر الأمور نفسها بنفسها.



نتساءل دائما عن سر علاقات الحب والخطوبة الجميلة والعامرة بالحب والسعادة والتي يمتد بعضها لسنوات، لنجدها تنتهي بزواج لا يناهز الشهور واقعا في فشل ذريع. ونتساءل عن سر شراكات العمل التي بدأت بمعنويات عالية وانسجام رائع وأهداف مشتركة، لنجد أنه حين بدأ محك العمل الحقيقي بدأت معه الخلافات ووجهات النظر التي كانت منسجمة حد التطابق وأصبحت مختلفة حد التنافر. وقبل أن نسارع بالقفز إلى النتيجة الحتمية التي يتبجح بها المتشائمون من أن الزواج يقتل الحب، ومن أن العمل والمال يهدمان العلاقات، لنتمهل قليلا ونجرب التفكير في طرح مختلف يساعدنا على التعاطي مع الموضوع بطريقة جديدة أكثر منطقية وإقناعا. فلو أننا عدنا إلى المفاهيم الأساسية التي بنينا عليها أفكارنا فيما يخص الحب والزواج، فسنجد أنه قائم على عقلية الندرة والتي تعني بأن ولد الحلال الذي يخاف الله وبنت الحلال التي تخاف الله عملة نادرة، وعليه فظهور أحدهما في أفق الآخر فرصة لا تعوض ويجب اقتناصها حتى وإن لم تكن نقاط التوافق الأساسية موجودة. وعليه فلتتمسك بمن أمامك بكل قوتك، فحتى لو أن الفتاة وضحت أن أولى أولوياتها هو حلمها الفلاني ورغبتها في الشيء الفلاني، ستجد الرجل يهز رأسه موافقا بكل حماس، بل وواعدا إياها بأنه سيساعدها ويفتح لها الآفاق، ونجدها هي تفعل نفس الشيء. ثم بعد الزواج تتغير الأمور، وحين يعبر أحدهما عن استيائه وخيبة أمله يقول له الآخر (كلام الليل زبدة يطلع عليه النهار يسيح).



وفي العمل أيضا لدينا منطق الصديق والقريب الذي لا يناسب احتياجاتك ولكنك تعرفه، مقدم على الغريب الذي يناسب احتياجات المشروع ويكمل شخصيتك وعملك. فنجد أنفسنا نشارك ونستعين بمن نعرفه أو نثق به وحين يبدأ العمل نفاجأ بأن خبراتهم ومعرفتهم لا تصب مباشرة في فائدة العمل. ويتدخل الخجل والمجاملات لتضع مئة عائق وعائق أمام مصلحة العمل العامة والتي تؤدي تدريجيا إلى الإحباطات ومن ثم المشاكل وربما أخيرا الخلافات.



نحن أقوام عرف عنها الحماس والاندفاع وحب البدء. وأيضا عرف عنها ميلها لتفضيل من تعرفهم أو تعرف من تعرفهم، واتخاذ قراراتها بناء على العاطفة والمتعارف والنمطي والمألوف. فنجد أنفسنا نلوم الظروف السيئة وتغير النفوس وننعى زمان الحب الحقيقي، في حين أننا ما زلنا في لحظات الصفاء ندهن كلامنا زبدة، ثم نتساءل حين تطلع شمس النهار: لماذا يسيح؟!



[email protected]