محمد العوفي

البيروقراطية ورأس المال الجريء

السبت - 11 مارس 2017

Sat - 11 Mar 2017

الذهنية الحكومية ارتبطت بالبيروقراطية التي عطلت كثيرا من الأفكار الإبداعية، ولا تزال كذلك، والخروج من هذه النمطية لا يزال يسير ببطء شديد أنهك معظم خطط الإصلاح الحكومي من عشرات السنين، فمن غير الممكن أن تأتي بأفكار غير تقليدية تقوم على الإبداع والمخاطرة وتولي أمر تبينها ودعمها لجهاز بيروقراطي، يرأسه موظف بيروقراطي لا يؤمن بالأفكار الإبداعية، ولديه عقدة من المبادرات والأفكار التي لا يؤمن بها، ويرى أنها خطر يهدد مكانته ومنصبه، ولا يمكن أن يتغير الموظف البيروقراطي – وهي عادة اتفق عليها معظم خبراء الإدارة - ما دامت هذه البيروقراطية تضمن له البقاء في المنصب، فهو يعتقد أن هذا المنهج أمانا له، ولن يعرضه للمساءلة يوما ما.



هذا النموذج لا يصلح لقيادة مؤسسات تؤمن بالأفكار الجريئة الإبداعية التي تنطوي على جزء من المخاطرة، فهم لا يقبلون المخاطرة، وبالتالي فإن وجود هؤلاء البيروقراطيين في قمة هرم الأجهزة الحكومية وغير الحكومية خطأ إداري يجب تصحيحه؛ فوجودهم يعني قتل كثير من الأفكار التطويرية لطرق العمل في مهدها، فما بالك عندما تكون هذه الأفكار ذات طبيعة غير تقليدية وتنطوي على جرأة غير مسبوقة ومخاطرة، ناهيك عما قد يجلبه هذا المنهج من تعقيدات وتعطيل للعمل، ومحاربة للطاقة الشابة التي لديها فكر إبداعي يهدد وجودهم.



وبالتالي، فإن كثيرا من الخطوات الإصلاحية والإجرائية الحالية ستصطدم بعقبة هؤلاء البيروقراطيين، إن لم تتدارك ذلك، خذ على سبيل المثال «صندوق الصناديق» الذي أنشئ برأسمال قدره 4 مليارات ريال لتحفيز الاستثمارات المتعلقة برأس المال الجريء والملكية الخاصة لدعم ريادة الأعمال والمشاريع الجريئة.



هذا الصندوق لا أحد يشك في أهمية وجوده في دعم المشروعات الناشئة لتجاوز صعوبات التمويل من خلال الحصول على تمويل مقابل شراء حصص في تلك الأعمال، لكن إنشاء الصندوق لن يحقق الهدف المرجو في حال تولى إداراته موظفون بيروقراطيون، لا سيما أن هناك نماذج لصناديق لم تحقق النجاح المرجو منها، وهناك صناديق تمت تصفيتها، وأخرى تم دمجها مع صناديق أخرى بسبب عدم قدرتها على توظيف الأموال في مشاريع جريئة وطموحة تحقق الهدف من إنشائها، ويعود السبب إلى النهج الإداري المتبع في إدارتها، لأن مثل هذه الصناديق تحتاج إلى مديرين جريئين لديهم خبرة كافية في التأسيس والنمو والتوظيف والبنية التحتية، وهو ما لا يتوفر في النموذج البيروقراطي الحكومي، فهو يرى أنه موظف حكومي فقط، وليس شريكا أساسيا، مما يعرض الصندوق إلى الفشل في توظيف الأموال في مشاريع طموحة ذات أفكار إبداعية.



علاوة على أن استراتيجية التمويل التي سيتبعها الصندوق تميل إلى التمويل الاستثماري المباشر مقابل حصص من رأسمال أو أسهم في هذه المشاريع، وهذا يتجاوز الدور التقليدي للتمويل الذي يتقنه البيروقراطيون الحكوميون القائم على تقديم الأموال والقروض دون المشاركة، وبالتالي فإن التحدي الأكبر يكمن في استراتيجية عمل هذا الصندوق الذي يتجاوز الفكر البيروقراطي بمراحل.



خلاصة القول، إن هذا النموذج من القياديين أصبح خارج دائرة الزمن، والتخلص منهم هو بداية الطريق لتبني نهج إداري جديد يؤمن بالأفكار الخلاقة والإبداعية الطموحة والجريئة، وشرط أساسي لنجاح المبادرات الحكومية الجريئة بما فيها صندوق رأس المال الجريء الذي سيركز على المشاريع المبتكرة التي تمتلك فرصا واعدة للنمو.



[email protected]