في نص الجبهة

الأربعاء - 08 مارس 2017

Wed - 08 Mar 2017

هؤلاء الذين يعرفونني شخصيا سوف يجدون عنوان مقالي غريبا، كونهم يعرفون عني بغضي لمثل تلك التعابير العدوانية التي يبتدع المجتمع الجديد منها بشكل مستمر، ويتناقلها أفراده بلا وعي بتداعياتها، ويستهلكها الكبار على مسمع من الصغار بلا أقل حس من المسؤولية تجاه ما تكتسبه الأجيال الجديدة منهم، وتنقله لأجيال أخرى ليستمر تدحرج كرة الثلج ويستمر التقاطها لأفراد أكثر بتعابير أسوأ. وكما هو شأن كل كرة ثلج فمصير هذه الكرة الحتمي هو أن تصطدم بحاجز مخلفة كارثة بيئية. قد يبدو كلامي للبعض ضربا من المبالغة كونهم يأخذون الأشياء على ظاهرها ببساطة، ولا يعيرونها اهتماما أعمق فمثل تلك التعابير بالنسبة لهم مجرد عبارات عامية حماسية دارج استخدامها ولا يمتد وقعها لأكثر من ذلك. السؤال هنا: هل هي فعلا كلمات بلا أثر أو تأثير؟!



ماذا تعني عبارة: في منتصف الجبهة؟ هل هي فكرة تضرب الجبهة أم صفعة أم فأس أم رصاصة؟ أترك الجواب لكم. حماسنا عنيف يا عرب بعنف تاريخ السيف الأملح، حتى انتصار آرائنا وأفكارنا نعبر عنه بلغة الحرب وكأننا في أبسط حواراتنا العامية ونقاشاتنا الاجتماعية نخوض حربا لا بد أن تنتهي بأن يصيب طرف الطرف الآخر في مقتل! فيهتف الجمهور لصاحب الرأي الأرجح بحماس «أصبته في مقتل»! مع أن انتصاره كان لمجرد رأي وفكرة واجتهاد وجميعها تحتمل الخطأ.



العنف يسري في دمائنا لدرجة أصبحت المرأة الجميلة «صاروخ» مدمر، وأصبحنا نمتدح الشيء فنقول «قاتل» و»فتاك». حتى عندما نسمع صراخ الآخرين نقول ساخرين «الصراخ على قدر الألم»، وعندما نشجع أحدهم على الانتصار لنفسه نقول «أتوطى في بطنه»، وعند عودته منتصرا نقول «جاب راسه». فما هذا يا سادة! ولماذا أصبحنا متبلدين حسيا ننتشي بصراخ الآخرين ونفرح بألمهم لمجرد أن اختلفنا معهم في رأي.



عندما تصبح ثقافة الاختلاف ثقافة حرب وسلاحا وقتلا وعنفا هنا يكمن الأثر والتأثير. ليست مجرد كلمات وليست مجرد حماس، هي أبعد من ذلك بكثير لمن يدرس المجتمع ويحلل المشهد. هي أيديولوجية حرمت الاختلاف وفرضت الرأي الواحد وحاربت المختلف لفظيا ثم فعليا. فالبداية دائما ما تكون بالأفكار التي تترجم لاحقا لكلمات، وما تلبث الكلمات أن تترجم بدورها لأفعال ولنا في التاريخ الإرهابي عبر.



العنيف من الكلام هو انعكاس لفكر أعنف مستتر، وهو شرعنة للعنف مستترة بغطاء الحماس والفكاهة واللاجدية حتى يعتادها النشء. بالتالي هل تتوقعون أن يتردد نشء اعتاد العنف الفكري واللفظي مع المختلف في استخدام العنف الفعلي متى ما تهيأت له الظروف وسنحت الفرصة؟ آخر سؤال أترك إجابته لكم في هذا السياق، دمتم سالمين.



[email protected]