عبدالله الجنيد

ترمب 360

الاثنين - 06 مارس 2017

Mon - 06 Mar 2017

الخطاب الأول للرئيس ترمب أمام الكونجرس كان بمثابة إعادة تعريف ناجح بشخص الرئيس لحد إجبار خصومه الديمقراطيين على التصفيق وقوفا في أكثر من محطة من محطات خطابه الذي امتد لنحو 67 دقيقة. إلا أن شخصية ترمب الفاقدة للتعاطي بتواضع نسبي مع الرأي العام الأمريكي باتت عثرة كبرى.



فقرار حجب مجموعة من المؤسسات الإعلامية من المركز الإعلامي للبيت الأبيض أمر لم يقدم عليه حتى الرئيس نكسون في حق الواشنطن بوست بعد فضحها تورطه فيما عرف لاحقا بفضيحة ووترجيت. ترمب اجتهد ليكون رئاسيا لدرجة تخليه النسبي عن الإسراف في استخدام يديه إيحائيا كلغة جسد بلاغية، ولطالما مثل ذلك أكبر ملامح شخصيته النزقة غير الآبهة برأي المستمع له. أما إدارته غير المكتملة وتحديات فتح المزيد من التحقيقات حول اتصال بعض أركانها بمسؤولين روس قد تطال نائب الرئيس بنس شخصيا، وفي حال تحقق ذلك فإن استقالة الجنرال فلين لن تكون آخر الاستقالات أو نهاية المطاف فيها.



قد نتفهم بعض أسباب الخصام القائم بين الرئيس والإعلام الأمريكي، فهو يحمل الإعلام مسؤولية استقالة أو إقالة مايكل فلين مستشاره السابق للأمن القومي. ويبدو أن مستشاره الجديد الجنرال ماكماستر هو الآخر على موعد مع الإعلام وتسريب جديد من داخل الإدارة، بحسبما سرب «من مصدر في البيت الأبيض» عن نصيحة ماكماستر للرئيس بعدم استخدام (الإسلام الراديكالي الإرهابي)، مما قاد إدارة شؤون البيت الأبيض للإقدام على عمل غير مسبوق بتفتيش هواتف موظفيها. أما على الجانب الآخر فإن أمر غياب وزير الخارجية تيلرسون من البيت الأبيض ومبنى الخارجية بات أمرا ملحوظا من الجميع لحد غيابه عن أحد أهم الأحداث السنوية لوزارته، والمتمثل بنشر التقرير السنوي لحقوق الإنسان.



سياسيا، ترمب من حيث التعاطي مع الإعلام يقارب من حيث الوصف المثل الإنجليزي «كالثور في متجر أوان خزفية Like a Bull in a China Shop»، وسجاله الأخير مع أرنولد شوارزنجر عبر الإعلام بعد انسحاب الأخير من تقديم برناج The Prentice «هو لم يستقل بل تم فصله»، أو اتهامه للرئيس السابق أوباما بالتنصت على مكالماته في برج ترمب، سيكلفه كثيرا إن لم يكن مدخلا لفتح ملف تحقيق جديد. ربما قد نتفهم نسبيا حالة الجفاء بين ترمب الفائز بالرئاسة والإعلام الأمريكي، ولكن استمراء حالة العداء هذه ليست من شيم الرئاسة في تعاطيها مع السلطة الرابعة من حيث التراتبية الأدبية سياسيا، والتاريخ الأمريكي حافل بأمثلة حقيقية على ممارسة تلك السلطة لمسؤولياتها في أحلك الظروف. فكلنا يتذكر تاريخها من إسقاط السيناتور جوزف مكارثي وتشريعاته التي ماثلت محاكم تفتيش القرون الوسطى متذرعا بالحرب الباردة أو فضيحتي وترجيت ومونيكا جيت (مونيكا لوينسكي)، وكيف اضطر الرئيس كلينتون أن يعتذر صاغرا للشعب الأمريكي بعد الحنث باليمن. وكذلك كانت هي من حرب أوباما على الإرهاب في الزمن غير البعيد.



أكبر تحديات إدارة ترمب ما زالت داخلية، فإن اختار هو الاستمرار في حربه على الإعلام فإنها قد تتحول من حالة وسواس قهري إلى الإحساس بالاضطهاد القهري والعالم الآن يمر بحالة عدم استقرار غير مسبوقة. فبعد قرار الرئيس رفع مستوى التحدي للسياسات الصينية في بحر الصين الجنوبي وغرب الباسيفيك، والذي ينبئ بتصعيد غير محمود في هذا التوقيت، فجميع القراءات تجمع على ضرورة إيجاد تفاهمات أمريكية صينية حقيقية تضمن استقرار وضمان مصالح جميع دول جوار الجرف الباسيفيكي، وذلك أمر لا يمكن القبول بالفشل فيه، لذلك سيتوجه الوزير تيلرسون في جولة شرق آسيوية تشمل كلا من سول، طوكيو، بكين. وقد تكون تلك الجولة ردا على زيارة رسمية عالية المستوى قام بها مستشار الدولة الصيني ينغ جيشي State Councilor Yang Jiechi لواشنطن نهاية فبراير المنصرم، ما يعول على تلك الجولة من نتائج لأبعادها المتجاوزة للوضع في الجرف الباسيفيكي أو ما تمثله صواريخ بيونغ ينغ من تهديد لجارتها. لذلك فإن الحالة الذهنية والعصبية للرئيس ترمب يجب أن تشغلنا جميعا، فالمشهد الدولي بالغ التعقيد، وحروبه الجانبية مع الإعلام تضيف تعقيدات لا مبرر لها، والحكمة تقتضي فض ذلك الاشتباك فورا.



[email protected]