فائز صالح جمال

مهنة الطوافة وأهمية حميمية العلاقة بالحجاج

الاحد - 05 مارس 2017

Sun - 05 Mar 2017

قدر مهنة الطوافة وأصحابها أن أعمالهم مرتبطة بأداء عبادة تحكمها توقيتات زمنية ومحددات مكانية، وهذا الارتباط يجعل الضغوط على المطوف هائلة وبالأخص في أيام المشاعر المقدسة، ومما يخفف هذه الضغوط وجود علاقة وتواصل ما بين المطوف والحجاج.



وفي عهد العمل الفردي كانت هذه العلاقة وطيدة وحميمية بين المطوف والحجاج، فقد كان المطوف وعائلته وأولاده وصبيانه على تواصل دائم بالحجاج من خلال استقبالهم للحجاج فور وصولوهم وضيافتهم وإسكانهم وتطويفهم، ومن خلال تواجدهم فيما يسمى بالبَرْزة وهي مكان استقبال المطوف للحجاج على مدار تواجدهم في مكة المكرمة للرد على استفساراتهم ومساعدتهم في كل ما يحتاجونه في أمورهم الحياتية اليومية، وقد وصف ذلك الأمير شكيب أرسلان في كتابه الارتسامات اللطاف، حول مشاهداته في رحلته الحجازية التي قام بها في عام 1348هـ (حوالي 1928م)، لأداء فريضة الحج، وهو يصف مهمات المطوف «إن المطوف هو الذي يكفل جميع حوائج الحاج وأغراضه، منذ يطأ رصيف جدة إلى أن يصعد سلم الباخرة قافلا....، إذا أراد الزيارة هيأ له جميع أسباب السفر إلى المدينة... وإذا سأل الحاج عن أي شيء، من الفلك إلى الذرة فلا بد أن يجيبه المطوف عليه، وإذا احتاج إلى أي شيء، من الجمل إلى البرغوث فلا بد أن يأتيه به، وإذا وقعت له واقعة من إنسان تقتضي مراجعة الحكومة، فعلى المطوف أن يرافق الحاج إلى صاحب الشرطة وينهي معاملته»... انتهى.



وعندما حل عهد المؤسسات بدءا من عام 1402هـ لمقتضيات تزايد أعداد الحجاج ولمواكبة تطور احتياجاتهم بدأت هذه العلاقات الوطيدة والحميمية بين المطوف وحجاجه في الاضمحلال بفعل تزايد أعداد الحجاج وبفعل بعض التنظيمات ومن أهمها ما يسمى بضوابط الإسكان التي حظرت على مؤسسات الطوافة أن تكون طرفا في استئجار المساكن ففصلت بين مقر مكتب المطوف ومقر سكن حجاجه، فأصبح التواصل المباشر بين المطوفين وحجاجهم في مكة المكرمة محدودا وانعكس ذلك على أداء الخدمات وعلى أداء المناسك.



فالعلاقة والتواصل بين الحجاج والمطوفين فضلا عن كونه تحقيقا لمراد الله في التعارف بين القبائل والشعوب فهو يعين على تبادل المعلومات المتعلقة بأداء الخدمات على مدار رحلة الحج وبالأخص المشاعر وهو ما ييسر على الطرفين أداء وتلقي الخدمات ويرتقي بوعي الحجاج بما يجب عليهم فعله سواء في أداء النسك أو تلقي الخدمات المختلفة التي يقدمها له المطوف، وكذلك ما يجب عليه تركه وتجنبه من أجل صحته وسلامته والآخرين.



وقد سعى بعض المطوفين في سبيل استعادة العلاقة الإنسانية بينهم وبين الحجاج فعادت البرزات للظهور من جديد، وأقيمت ملتقيات دائمة في المساكن الكبرى للحجاج تحت مسمى ملتقى المطوف، وقام البعض باستقبال حجاجهم من مداخل مكة والانتقال معهم بالحافلات إلى مساكنهم واستغلال مدة الرحلة للترحيب بهم والدعاء والتلبية وكذلك تمرير بعض الوصايا المتعلقة بدخولهم الحرم وتعظيم شعائر الله والرد على استفساراتهم وكل هذه المحاولات كشفت عن تلهف الحجاج للالتقاء بمطوفيهم والتعارف بينهم وسعادتهم بذلك. ولكن للأسف لم تحظ مثل هذه المحاولات - رغم فوائدها التشغيلية - بما تستحقه من عناية سواء من المؤسسات أو من وزارة الحج التي تشرف عليها.



بقي أن أقول إن جملة من الأنظمة الحكومية أدت إلى إضعاف دور مؤسسات الطوافة لصالح بعثات الحج، وهو ما يجب التنبه إليه ووقفه حتى لا نصل لوضع مؤسسات العمرة التي يتحكم في جلها الوكلاء الخارجيون ويستحوذون كذلك على جل مكاسبها نتيجة لضعف خبرات من منحوا التراخيص عند انطلاق نظام العمرة واستمرار حجب الترخيص عن مؤسسات الطوافة التي تمتلك من الخبرات ما يمكنها من استعادة هذا القطاع الهام والحيوي لاقتصادنا الوطني ويعيد لها الروح من خلال العناية بما يتعلق بأداء مناسك العمرة التي تكاد تخلو منها خدمات مؤسسات وشركات العمرة الحالية.

وللحديث بقية..