رهام فراش

قضية عم أحمد

السبت - 04 مارس 2017

Sat - 04 Mar 2017

منذ بزوغ فجر هيئة الترفيه والجدل متربع عرش مواقع التواصل الاجتماعي ومتصدر نقاشات الناس في المجالس حول نشاطاتها ومخالفاتها ومشروعيتها.



وكطبيعة الأشياء الجديدة عندما تهبط بأشرعتها على مياه راكدة تحدث فيها زوبعات تتسع بالأخذ والرد محدثة دوائر تبدأ صغيرة وتكبر ثم تتلاشى مع الوقت.



لتصبح جزءا من المكان ويتقبل الجميع وجودها وإن قاطعوها، لكنهم سيحترمونها لعلمهم أنها واقع قائم بحد ذاته له كيانه ومحبوه ومريدوه، وأنها محك آخر لاختبار مدى الوعي المجتمعي بمفاهيم الحرية والتعايش وتحريرها من مرحلة التنظير إلى التطبيق. فلا أحد يملك الوصاية على عقول الناس ولا تصرفاتهم، ومفتاح الجنة ليس ملكا لبشر.



ومن أكثر الفعاليات التي أثارت ردود فعل واسعة في المجتمع الإعلان عن حفلة الموسيقار القدير عمر خيرت بين مؤيد ومعارض، وكنت حقيقة من أول المتحمسين على الحدث والفرحين بالإعلان عنه سوى أني سرعان ما وجدت أن وهج فرحتي بدأ يخبو عند معرفتي بسعر التذاكر المبالغ فيها، فقاطعت الفكرة وعزفت عن الحضور، ليس لعدم استطاعتي على دفع قيمة التذكرة، إنما لعدم قبولي فكرة أن يكون الفن نخبويا طبقيا حكرا على الفئة المخملية دون غيرها، وأن يكون الهدف من تنظيم الحدث جباية المال والدخل المادي، وإن كان حقا مشروعا للمنظمين، لكنه يحتاج لدعم من جهات رسمية أو خاصة تؤمن أن الفن حق للجميع. خاصة أن حفلات عمر خيرت شعبية إنسانية تقام بمصر في دار الأوبرا ومسارح الجامعات لنشر ثقافة الفن في كل مكان وجعلها حقا مشروعا لكل إنسان بثمن زهيد.



وقد جاء في تصريح على لسان الموسيقار قبيل الحفل بأيام أن سعادته كبيرة لاقتراب موعد وقوفه أمام الجمهور السعودي الذي وصفه بأنه متذوق للفن وغال على قلبه. وأنه نما إلى علمه ما حصل من لغط واستياء حول ارتفاع أسعار التذاكر، وأن الأمر لو ترك له لأقام الحفل بالمجان احتفاء بالسعوديين. وقال «إن الثورات لا تندلع إلا بسبب الانهيار في كل المجالات، وأولها الفن، الذي يعد مرآة تعكس حالة المجتمع النفسية والاجتماعية والاقتصادية».

وأخيرا جاء اليوم المحدد لإقامة الحفل بمدينة الملك عبدالله الاقتصادية وإذا بصديقتي خلود تهاتفني لتسأل ألست هنا؟! لم أفهم قصدها في البداية فسألتها هنا فين؟!



أجابت: حفلة عمر خيرت، رددت بكل أسف إني لن أحضر، فاستغربت ردي لأنها لم تتوقع أبدا أني سأفوت هذه الفرصة، وقد رأت حماسي منذ الإعلان عن الحفل.



وفي محاولة لتشتيت الغصة التي شعرت بها حينها بسبب رغبتي الجارفة لأكون وسط الجمهور السعودي المتعطش للفن في تلك اللحظة، لجأت لليوتيوب لعلي أتصبر، وفتحت فيديو لمعزوفة قضية عم أحمد الذي شاهدته مرات عديدة بذات الدهشة والانبهار لعبقرية العزف والكيمياء التي وجدت بين المايسترو والجمهور المثقف فنيا، والمتذوق للموسيقى التي نشأ وتربى عليها منذ نعومة أظفاره فهذبته وارتقت به، في لقطة بديعة يعطي فيها المايسترو ظهره للفرقة الموسيقية ويبدأ في قيادة الجمهور الذي عزف بتصفيقه بإتقان ذات اللحن العبقري، وعمر خيرت يبتسم برضا وسعادة ابتسامة شموخ وهيبة أثناء عزفه على البيانو.

وتساءلت ترى لو حضرت اليوم هل كنت سأحظى بذات المتعة في انسجام الجمهور وتذوقه ونحن لا نستطيع شطب وتجاهل موروث اجتماعي يجرم ويحرم الموسيقى ويحاربها..؟!



بقينا نقتاته على خجل ونشهده في سفراتنا للخارج.

لكننا اليوم وأخيرا نحبو على الطريق الصحيح وندشن مرحلة جديدة ستروي عطش صحرائنا وتحيل جفافنا لجنة مزهرة خضراء بالاحتفاء بالفنون وصناعتها ودعمها ثم تصديرها وقطف ثمارها في جيل جديد مثقف وواع وإنساني عالمي.