شاهر النهاري

رقصات أصالة إنسان الأرض

السبت - 04 مارس 2017

Sat - 04 Mar 2017

لطالما تشدنا تلك الرقصات القديمة، التي يحرص من يؤدونها على بقائها على شكلها الأصيل، ودون رتوش، أو تجميل، أو تنمق بدواعي الرقي والعصر.



رقصات لا تزال تؤدى بنفس أزيائها البدائية، التي ربما تتقلص لورقة الزيزفون، وبتخضيب معبر، وتلوين للوجوه والأجساد والأطراف، وارتداء للأرياش وجلود الحيوانات، وتلاقح مع مختلف أوراق وأعشاب وزهور النباتات المكملة لطبيعة وبيئة الرقصة.



رقصات تحتوي الغموض، وتحاكي أساطير وأهازيج الشعوب، ومعتقداتهم، كما كانت تؤدى في الماضي السحيق، وبعين الإنسان البدائي وهو يحاول بانتفاضة جسد أن يرسم الجسور بينه وبين الطبيعة القريبة، والكون الغامض، مظهرا علاقات عميقة دقيقة، ونقاط تلاق.

رقصات نشاهدها عند الشعوب، التي اندثر جزء كبير من تاريخها، في خضم حضارات تعاقبت، وتصارعت، وكذبت وسيست.



شعوب الهنود الحمر، عندما يرقصون للشمس، أو المطر، أو الريح، أو استعدادا للصيد أو الحرب، أو في رقصات بهجة بالنصر، والمناسبات البشرية الإنسانية المستعادة.



شعب قارة أستراليا القديمة، الذي يحاول أن يعبر لعالم جديد احتل قارته برقصات أصيلة وإيقاعات ورموز وأصوات وأناشيد، وخطوات وحركات قد يقف أمامها المتفرج معجبا، ولكنه قد لا يدرك كافة معانيها، ولا قيمة ما فيها من تاريخ، وعمق، وحكايات.



وفي أدغال الغابات نجد رقصات تتشابه، وتختلف، ومنها ما يشذ، وكل يحكي بطريقته عن قصة وجوده على هذه الأرض، وعن مدى ارتباطه بها من الجوانب النفسية، والروحية، والاجتماعية والقومية والوجودية.



رقصات بها حكايات شعبية، وتعطي دلالات على حضارات تراثية أصيلة نابعة من الطبيعة، فأصواتها من أصوات مخلوقات الأرض والسماء، وحركاتها محاكاة لحركات وحوش وطيور ذات طبيعتها، وهوجتها تمثل سطوة ظواهرها الطبيعية، وقد تحكي عن تدرج الحيرة في فهم إنسان البدء لحقيقة ذاته والكون، وحبكة الحياة والموت.



جازان تلك المنطقة القريبة من باطن الأرض، والقريبة من شغاف القلب، هي المنطقة الوحيدة في جزيرة العرب التي ما زالت تمتلك ذلك الحس الطبيعي، والبيئي الأصيل، وهي الوحيدة التي تحاول الإبقاء على رقصاتها القديمة، كما كانت منذ آلاف السنين، ولو أن الزمن الحديث يدفعها حثيثا لكثير من التزيين، وكثير من التزييف، لواقع الرقصات، التي كانت تنبع من الأرض أصالة، وتتناغم مع الطبيعة والكون، ودون تدخل للتقنية ولا لأيادي التزيين.



عندما أشاهد رقصاتهم أشعر بأني أعود في ممرات التاريخ الممتدة للأزل، لأرصد عظمة إنسان هذه الأرض، وأبجله، وهو يضرب الأرض بأقدامه، ويقرع الطبل بنشاط أذرع من يريد أن يرهب عدوا، ويرسم صورة فخر وثقة وثبات وعنفوان في النزال.



إنسان يرقص بحرية سيول الوديان، ونحلات السهول، وعزة البواسق والجبال، ويقفز بنشوة الطيور، ويلتوي بمحزمه، وخنجره، كما كان أجداده يفعلون قبل آلاف السنين.



العابثون بالرقصات التراثية يخسرون، ويقطعون الوصل مع الماضي، بتزييف وتلميع وتنعيم الحاضر، وبذلك يفقدون معاني الأصالة.



ولو كان الأمر بيدي لقسمت كل رقصة إلى قسمين منفصلين، فقسم يعطينا جميع صور الماضي، حتى ولو كانت بالثياب الرثة، والمعدات البدائية، والتواجد القريب من عمق أصالة الأرض والثرى والعناء والبناء.



والجزء الثاني يسمح فيه لمن أراد أن يهذب، وأن يجمل ويطور من رقصات الماضي، ليشعرنا بأنها رقصات بذخ وسبع نجوم!



[email protected]