ليس هكذا تكون السعودة

الخميس - 02 مارس 2017

Thu - 02 Mar 2017

قبل معركة واترلو الفاصلة التي هزم فيها شر هزيمة، وصف الإمبراطور الفرنسي نابليون بريطانيا بأنها أمة من أصحاب المحال التجارية.



واعتبر الإنجليز هذا الوصف مشينا لهم لذلك بعد أن هزموا الإمبراطور على يد القائد العسكري ديوك ويلنجتون ردوا عليه بأن معركة واترلو كسبوها على ملاعب مدرسة إيتون، وهي مدرسة داخلية كان يتم فيها تدريس الصغار وتدريبهم لتولي الوظائف المرموقة في الجيش، والخدمة المدنية، والكنيسة وغيرها.



وهذه العبارة عادة ما تجيء في تلافيف الذاكرة كلما قرأت عن السعودة في صحفنا المحلية.



وبالنسبة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية فإن السعودة في أشمل معانيها تتمحور في سعودة وظائف البيع في محلات الجوالات، والمخابز وغيرها! وقد انساق عدد من الكتاب في الصحف وراء هذه الفرية وأضافوا إليها أيضا الباعة في سوق الخضار وحلقة السمك، لكنهم تجاهلوا حتى الآن صوالين الحلاقة، ولا أعرف سببا لذلك!



وتتركز السعودة لحد الآن في إحلال السعوديين محل الأجانب العاملين في محالات البيع، وكأننا أصبحنا أمة من أصحاب المحال التجارية كما قال نابليون للإنجليز! وليست هناك مهنة حقيرة، فالعمل هو العمل مهما كانت طبيعته، ومهما كانت مداخيله، ولا يعيب أي جنسية نوع العمل الذي تؤديه، ففي الولايات المتحدة كل العاملين في المغاسل الأوتوماتيكية، ومجال العناية بالقدم، من جنوب شرق آسيا، ولم يعبهم هذا في شيء، بل إنهم يشكلون جماعة مهمة لمساعدة المجتمع ودعم الاقتصاد الوطني.



وليس هناك شك في أن معظم خبراء تقنية المعلومات في العالم، وعندنا أيضا، من الهند، ولدينا عدة ملايين من الأجانب يعملون وينتجون ويدعمون اقتصادنا الوطني بينما يتساءل المواطنون إذا ما كان توظيف الناس كباعة في هذه المجالات سيضيف أي قيمة للاقتصاد الوطني!



وأسأل بكل براءة كل المتحدثين عن السعودة، باعتبارها كلمة حق أريد بها باطل، لماذا لا تطالبون في نفس الوقت بإنهاء الإجراءات البيروقراطية المعقدة التي تشل قدرة كل من أراد أن يؤسس عملا في هذه البلاد. لماذا لا توجد عندنا ثقافة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؟ لماذا لا نشجع الشباب السعودي من الرجال والنساء على إنشاء مشروعاتهم الخاصة التي ستدعم الاقتصاد الوطني وتعزز مساره؟ لماذا ينعدم التنسيق بين الوزارات والإدارات الحكومية لتسهيل دخول الشباب إلى مجال الأعمال حيث يمكن أن يبرزوا قدراتهم ومواهبهم؟



كثيرا ما يتحفنا المسؤولون بعباراتهم الوردية الطنانة عن السعودة وتوطين الوظائف، لكنك إذا سألت أيا من الشباب سيتحفونك بقصص مروعة تدمي القلوب عن المصاعب التي يواجهونها، والعراقيل التي توضع أمامهم، وحملات التفتيش والتحقيقات كلما بدؤوا مشروعا جديدا أو حتى فكروا فيه.



ومن هذا المنبر، أناشد وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ورئيس هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة أن يطلقوا حوارا مفتوحا مع الشباب الراغبين في تأسيس أعمالهم ومشاريعهم الخاصة ويسألوهم كيف يمكن مساعدتهم وإزالة العوائق التي تعترض طريقهم.



إن الحوار المفتوح بين الوزارة والشباب سيثمر خيرا على الجميع، ويعين الوزارة على التعرف على ما يعوق حركة الشباب وفهم قضاياهم والاستفادة من آرائهم وأفكارهم. وأطالب هنا أيضا بمشاركة البلديات وإدارات الدفاع المدني في هذا الحوار المفتوح، فكلهم معنيون بدعم الشباب والوقوف بصلابة خلفهم فهم تكأة الحاضر وزاد المستقبل.



ولدينا شباب لا يقلون تأهيلا وتدريبا عن رصفائهم في جميع أنحاء العالم، لكنهم فقط ينتظرون الفرصة التي تمكنهم من الإنتاج والمشاركة بفاعلية في التنمية وبناء الوطن. وهؤلاء الشباب المؤهلون والقادرون من الجنسين لا يريدون أن تكون بلدهم أمة من أصحاب المحال التجارية.



وأقول لوزارة العمل وكل المنادين بالسعودة إن توطين الوظائف لا يعني بأي حال من الأحوال عملية الإحلال العمياء، لأن هذا لا يساعد في القوة الإنتاجية ولا في دعم الاقتصاد الوطني، لكن السعودة الحقيقية هي خلق الوظائف للمواطنين بعد تأهيليهم وتدريبهم وهذه الوظائف يجب أن تكون ذات إنتاجية مقدرة تدعم الإنتاج القومي.



أما الحديث عن سعودة خدمتي أوبر وكريم وقصرها على السعوديين، فهذه في الواقع نصف سعودة يقوم بها الرجال السعوديون لخدمة النصف الآخر وهم النساء.



[email protected]