أحفاد حاتم الطائي

الثلاثاء - 28 فبراير 2017

Tue - 28 Feb 2017

مرة تم انتدابنا أنا وزميلي المهندس يحيى أبوالنصر إلى حائل لإصلاح جهاز الأسنان في الوحدة الصحية للبنات، وكانت ظروف الطيران والحجوزات غير مناسبة، فسافرنا عن طريق البر، ووصلنا إلى هناك في وقت الظهيرة، ولذلك فإن الوقت كان مناسبا لمباشرة العمل، فدوام الوحدة انتهى ويمكننا بذلك دخول وحدة البنات وإصلاح الجهاز.

ولأن تلك الزيارة كانت هي الأولى لنا لحائل توقفنا في الشارع العام بوسط مدينة حائل وسألنا أحد الحائليين عن موقع الوحدة الصحية للبنات ليصفه لنا، فأبى إلا أن نسير بسيارتنا خلفه ليوصلنا إليه، وبالفعل تبعناه، ومن شارع إلى شارع حتى توقف أمام أحد المنازل وكان عبارة عن فيلا ثم هرول مسرعا نحو الباب وفتحه ونادى أباه وإخوته فنزلوا على عجل وطلبوا منا أن ننزل فنحن في ضيافتهم فاعتذرنا لأننا مرتبطون بموعد في الوحدة لإصلاح جهاز الأسنان.

ولكنهم أصروا أيما إصرار وقال والدهم لنا: (أقول حولوا، عليا الحرام إنكم محولين تراكم ضيوفنا)، وعلى الفور اتصل بمدير التعليم وكان قريبا له وقال له إن القادمين من الرياض هم عندي الآن وهم ضيوفي هذا اليوم فاسمح لهم، وأمام هذا الإصرار لم نجد إلا أن نستجيب، ويومها عرفت الكرم الحائلي، وأدركت أن أهالي حائل هم أحفاد حاتم الطائي في كرمه، وعجبت وكأن الرجل كان على موعد معنا واستعد له أحسن الاستعداد فقرب إلينا مائدة طويلة وعريضة في وسطها (المفطح)، وعليها ما لذ وطاب من مآكل ومشارب وقال: سموا بسم الله ومعنا والده وأبناؤه وإخوانه وبعض جيرانه وبعد الغداء، (تقهوينا على ما يقولون) وإذا بأحد جيرانه يبادر يا الربع عشاكم الليلة عندي ولا تردوني واجبروا بخاطري، وقال آخر: بكرة غداكم عندي.

فقلت: أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكة، فاسمحوا لنا بإكمال عملنا وأكرمكم الله، وبصعوبة خرجنا من عندهم وقمنا بدخول الوحدة الصحية بعد صلاة المغرب وأصلحنا جهاز الأسنان وغادرنا ديرة (يا بعد حيي) ديرة أهل الجود والكرم مصحوبين بالسلامة، تحفنا رعاية الله بعد أن اعتذرنا من حارس الوحدة الذي أصر علينا إصرارا كبيرا بمرافقته لبيته لنتناول طعام العشاء، ولم يفلتنا إلا بعد أن وعدناه بتلبية دعوته في المرة القادمة إن شاء الله إن زرنا حائل خاصة وأنه لم يقصر معنا فاتصل بولده وأحضر لنا من بيته الحنيني ونوعا جيدا من عسل السدر والأقط وحليب النياق المحلوب للتو، وما زالت تلك الزيارة محفورة في ذاكرتنا رغم مرور سنوات عديدة عليها وعلي وسلامتكم.