شاهر النهاري

سعيد شاهد على مأساة نيس

الثلاثاء - 28 فبراير 2017

Tue - 28 Feb 2017

قابلته قبل شهر تقريبا، وكان تواقا ليحكي للعالم تجربته الشخصية شاهدا على حادث الدهس، الذي وقع في مدينة نيس مساء يوم 14 يوليو 2016، في شارع «بروميناد دي انجلي»، الشهير، أثناء الاحتفال بالألعاب النارية، حيث قاد أحد الإرهابيين الفرنسيين التونسي الأصل شاحنة مسروقة بسرعة جنونية، نحو كيلومترين وسط الحشود المغدور بها، وقبل أن ترديه الشرطة قتيلا.



فاجعة قضى في لحظتها 84 شخصا، وأصيب المئات من المحتفلين بعيد (الباستيل)، الوطني.



ويحكي سعيد عن قيامه مع أسرته الصغيرة، وأخته بالخروج للممشى الشهير لمتابعة الألعاب النارية.



وكما في أفلام الرعب، تنطلق الأصوات المزعجة المرعبة، وصرخات العويل من خلفه، وتتراكب الحشود في فزع يوم عظيم! فهل يتفقد سلامة أفراد أسرته، أو يحاول استجلاء كنه الكارثة؟



خطوات بسيطة كانت تفصله عن مكان سكناه، والشاحنة المكتسحة المتحولة المتعطشة للقتل تدوس الصفوف، وتوالي فرقعة الجماجم، وتحطيم الضلوع وبتر الأطراف!



منظر دموي مرعب، أحال المكان لضياع وفزع.



أخذ سعيد يصرخ، ويحضن، ويبكي في آن، والصور تتضح بشاعتها، والموت يجول، والأرواح تتصاعد.



لم يعد ينتقي خطواته، يجري من أي فرجة، وينتحب كما الأعين حوله، ويعانق المجهول، والخوف، والضياع، والانكسار.



إطلاق نار كثيف، وراكب الشاحنة يكمل المأساة بقتل وجرح الكثير، ممن لم تصلهم عجلات الغدر.



طوفان هروب، وقوات الأمن تخرج من العدم، وتطوق المكان، وتدفع الحشود إلى داخل مبنى الحرس الوطني، الملاصق للممشى.



مئات من البشر المكلومين الباكين الصارخين وجدوا أنفسهم وسط المبنى متأملين بالنجاة، وتنبيهات جهاز الأمن تصدر بهدوء ونظام، وطمأنة بأنهم في أيد أمينة.



ساعة من زمن وتنتشر فصائل من الأمن نساء ورجال، وبمختلف التخصصات، أطباء يعاينون الإصابات، وأخصائيون نفسيون يحتضنون الأطفال، ويساندون الكبار لتحمل الفاجعة، ويهونون أبعاد مصيبة

من أصيب، وفرق مدربة في احتواء الطوارئ، تدهش العقل بجديتها، وانضباطها وثقتها بما تعمل، بتجهيزات حاضرة، وقدرة على تحقيق الهدوء النفسي والجسدي للجميع، وبإمكانيات عجيبة على التواصل بكل اللغات، والتعامل الراقي الإنساني مع جميع الأعراق.



قدموا لكل ملتجئ بالمبنى الماء والشرب، ومفرشا للنوم، وسهلوا له طريقة للتواصل بأهله لطمأنتهم عن أحواله.



سعيد كان راضيا بما وصلت إليه أحواله، فلم يشعر بتمييز عن الفرنسيين أنفسهم حتى تم القضاء على المتسبب، وتأمين الشوارع ممن يمكن أن يكون لهم يد في دعم إرهابه.



وبعد عدة ساعات، سمح لهم بمغادرة المبنى، والعودة إلى مساكنهم، بعد تجربة رعب قصوى، وانتشال لا يمكن أن تكون إلا في قطب الضياء والحرية والرقي الفكري والفني والفلسفي على الكرة الأرضية،

فرنسا.



وكنا محليا قد اختبرنا وعشنا مثل هذه المآسي مرات عديدة، بتفجيرات مساجد، وحرم نبوي وغيرها من الصور المؤكدة على سواد وشذوذ الإرهاب وعجبه.



وكانت وزارة الداخلية عند الموعد، ونتمنى الاحتراز مستقبلا، تحسبا لأي عمل إرهابي، أو طارئ، فنكون، كما نحن دوما، اليقظين، المبادرين، القادرين.



وما الذي يمنع من الاستفادة من تجارب سعيد، وغيره، ممن كادت أن تسحقهم أيادي الإرهاب، قبل أن يشهدوا معاني الإنسانية والأمان.



[email protected]