محمد حطحوط

تكلم إنجلش لتثبت أنك فاهم ومثقف!

الاحد - 26 فبراير 2017

Sun - 26 Feb 2017

في خريف 2010 كان كاتب هذه الأحرف في مدينة كالمزو الأمريكية التابعة لولاية ميتشجن، وكانت أول مدينة أذوق فيها نكهة الغربة، وللذكريات الأولى دوما حنين جارف. اكتست أشجار كالمزو بألوان مختلفة في مشهد موناليزي، وكنت جالسا في حرم الجامعة متصفحا وقتها صحيفة (رسالة الجامعة) حيث كان لي عمود صحفي فيها، وكان من وفاء رئيس التحرير أن يرسل لي الصحيفة من الرياض هناك في الغربة. كان طعمها مختلفا، لأني أجد فيها بقايا عطر لوطني وأهلي. كنت أتصفح الجريدة وبجواري صديق أمريكي، وكان في الصفحة اليسرى إعلان ضخم باللغة الإنجليزية لشركة سعودية. يبدو المشهد عاديا والموقف بدهيا حتى كسر الصمت سؤال هذا الأمريكي الذي لخبط كل الحسابات: لماذا صحيفة صادرة باللغة العربية ويقرؤها عرب وتضع إعلانا بغير لغتكم؟! كانت لحظة من اللحظات القليلة التي تتمنى أن تنشق الأرض تحتك وتبتلعك، ويزيد الطين بلة أن هذا الصديق يعرف جيدا نزعتي العربية الواضحة.



لماذا صحيفة صادرة باللغة العربية قراؤها عرب وتضع إعلانا باللغة الإنجليزية؟ كمتخصص في التسويق لو كان المنتج يستهدف الأجانب في المملكة لتم التغاضي عن الموضوع، ولكن منتجا في بيوتنا ونعرفه جميعا.. فلماذا يا صاحبي تضعه باللغة الإنجليزية؟ المشكلة أعمق من إعلان عابر.. لاحظ مؤتمراتنا الدولية التي تقام في المملكة. الحضور عرب والمتحدثون عرب والموضوع عربي، ويتم النقاش باللغة الإنجليزية، في تجاهل صارخ للغة البلد الرسمية! حتى في لقاءات المثقفين الخاصة، مشهد مزعج أن يتحدث الإنسان خليطا عربيا وأجنبيا. القصد ليس لإنسان في أثناء حديثه يستشهد بمصطلح لا يعرف ما يقابله عربيا -وهذا خطأ لا يستثني صاحبكم نفسه منه - وإنما القصد لهذا المثقف أو المبتعث الذي يبدأ الجملة بالعربية وينهيها بالإنجليزية. هذا النوع الأخير بدأ ينتشر في أوساط المجتمع.



هذا المقال يدرك تماما المحتوى العلمي المخيف الموجود باللغة الإنجليزية، وجل قراءات صاحبكم التسويقية هي باللغة الإنجليزية، لكن التعلم من الغرب بلغتهم شيء، ومحو هويتك الثقافية - واللغة مكون رئيس فيها - شيء آخر تماما. مخجل الذي يحدث في مؤتمراتنا وفي لقاءاتنا الثقافية، مخجل عدم ثقتنا بأنفسنا وبلغتنا.



ما زلت أذكر أمريكيا متخصصا باللغويات قابلته على هامش مؤتمر في جامعة إنديانا، يتحدث الإنجليزية ويتقن العبرية والفرنسية والألمانية والعربية، سألته: كيف تقارن تعلم اللغة العربية بغيرها من اللغات؟ فأجاب: تعلم العربية لوحدها أكثر من الجهد الذي بذلته في تعلم ثلاث لغات مجتمعة! لغة عظيمة عميقة ضاربة في التأريخ.. قدرها أن المتحدثين بها لا يدركون قيمتها!.



[email protected]