معا نعمل لمستقبل أفضل

السبت - 25 فبراير 2017

Sat - 25 Feb 2017

عندما تحدثت في مقالي السابق عن واقع نعيشه بالميدان التربوي، وقلت إنه حقيقة مؤلمة وليس نظرة تشاؤمية وافقني الكثير من الذين ينظرون للأمور بمنظار واقعي، وعاتبني البعض بأني قسوت كثيرا بالوصف، وأن الخير لا يزال بأمة سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام (وهو لا شك أمر باق) وألا تجعل موقفا أو حالة أثارت غضبك تبعدك عن التفاؤل.

والحقيقة أن الأمر بين الفريقين مقبول ومتوقع، فالاختلاف أمر حتمي وواقعي. لكن ما لفت نظري وربما أكون سمعته للمرة الأولى، هو رأي يقول: وما الحل وهل من طريق نسلكه للتغيير الإيجابي، فقد مللنا من طرح المشكلات دون معالجة.

كم راقني هذا الرأي وجلست بلهفة التربوي أفكر بحلول عملية وإجراءات قابلة للتنفيذ أتمنى أن تجد القبول. فبسم الله دعونا نبحر في بحر الحلم لنصل لشاطئ الحقيقة.

ولنبدأ بالمدرسة، وهنا أعني المبنى المدرسي، ولعلي أتذكر زيارة قمت بها لمدينة الكرم «حائل» مع الصديق العزيز ماجد الردادي (مدير تقنية المعلومات بتعليم مكة حاليا)، عندما كنا أعضاء بالمجلس الاستشاري للمعلمين بمكة وشاهدنا خلال الزيارة نماذج قيمة لمدارس جاذبة للتعليم العام، وبعد أن عدنا قدم الزميل ماجد عرضا أو تقريرا مصورا لمدير التعليم (رئيس المجلس الاستشاري) عن تلك المدارس، فتعجب المدير العام وقال مستحيل أن تكون هذه المدارس بالمملكة أو على الأقل قد تكون نماذج لمدارس أهلية.

لماذا هذه النظرة ولماذا صعب أن نحول مدارسنا لمبان جاذبة. أنا لا أطالب بالمستحيل، ولكن أطالب بمبنى نظيف به دورات مياه كافية، وعلى درجة عالية من الاهتمام بالنظافة والصيانة.

ويوجد بالمبنى قاعات تحتوي على كافة أسباب الراحة من تكييف وإضاءة ونظافة ومجهزة بكل ما تتطلبه البيئة التعليمية من أجهزة ومعدات وتجهيزات. وأن يحتوي المبنى على مسرح مدرسي وصالة رياضية مكيفة ومعامل للقرآن الكريم والعلوم والحاسب واللغة الإنجليزية. كما يجب أن يحتوي المبنى على مكتبة حديثة مزودة بخدمة الانترنت، ويجب أن يضم المبنى بوفيه مجهزا بأفضل الأطعمة والمشروبات، مزودا بقاعة مكيفة يتناول فيها الطلاب طعام الإفطار أو وجبات تساعدهم على التحصيل الدراسي.

ولنعرج على قائد المدرسة وربان السفينة وزير تعليم مصغر، الآمر الناهي بمملكته الصغيرة. يجب أن تتوفر حوافز مادية ومعنوية تتناسب والجهد والوقت الذي يبذله. يجب أن تكون لديه صلاحيات لتحديد الاحتياج البشري من معلمين وكوادر، والاحتياج المادي من أثاث وأجهزة وميزانية تشغيلية كافية. يجب أن تعطى له صلاحية اتخاذ القرار بكل ما يتناسب مع ظروف المدرسة.

أما المعلم ذلك الشخص المغلوب على أمره - وأقصد به المعلم المخلص العاشق صاحب الأداء العالي المنضبط - فهو بأمانة يحتاج الكثير من الدعم والمساندة التي إذا توفرت فستعيد لنا تلك القدوة الصالحة، وربما يتحسن وضع المعلم الذي يؤدي الحد الأدنى أو المستهتر. وأول ما نفكر بضرورة وجوده هو دعم المعلم والدفاع عنه ثم توفير البيئة المناسبة له داخل المدرسة من أماكن للراحة، وإعادة النظر في التكليفات التي تثقل كاهله، ويمكن أن يقوم بها غيره من مراقبة واحتياط مع تخفيض النصاب، والنظر في وجود رخصة للمعلم تحفزه على العطاء. والأهم تفعيل برنامج للثواب والرقابة يعطي لكل ذي حق حقه. وما الذي يمنع أن يكون للمعلمين ناد باشتراك سنوي يمارس المعلم من خلاله الأنشطة الرياضية والثقافية، يحتوي على كافة وسائل الترفيه البريء، وتكون به قاعة لإقامة المناسبات الاجتماعية بسعر رمزي أسوة بنادي شركة الكهرباء، ونادي الخطوط السعودية.

أحبتي تغير هذه العناصر الثلاثة وضبطها أزعم أنه سيعيد لنا البريق الذي نفتقده بمدارسنا. ولنا مثال حي بالمدارس الأهلية (المتميزة) التي توفر الإمكانات وأعداد الطلاب المثالية بالفصول، والمقدرة على التحكم بنوعية المعلمين، وإبعاد الأقل أداء وتعيين ذوي المستويات العالية، مما جعل المعلمين المتعاقدين بتلك المدارس (سواء كانوا سعوديين أو غير سعوديين) يتنافسون بالعطاء ورفع الأداء المهني لنيل رضا قادة المدارس وملاكها للحصول على المكافآت المالية والحوافز وضمان تجديد العقود.

فهل ذلك (الحلم) صعب المنال. عفوا هل قلت (حلم)؟ نعم حلم جميل لن يتحول إلى حقيقة إلا بنظام جريء تتبناه الدولة كمشروع وطني يتوافق مع الرؤية المباركة 2030، يحدث نقلة نوعية بتعليمنا تصنع التغيير وتوقف الهدر. فكم من الملايين استنزفت وذهبت في الورش التربوية والانتدابات والتنظير والمبادرات الورقية التي لم تنجح سوى بإضافة المزيد من العبء على الميدان، ولم تخرج لنا ذلك الطالب المبدع الذي يضيف لوطنه، ويكون واجهة مشرفة بفكره المتزن وإبداعه الخلاق (إلا مبادرات فردية هنا وهناك). وليتحقق هذا التغيير وينجح المشروع الكبير نحتاج لهمة وزير يؤمن بالتغيير، جريء بقراره، وأن يجد الدعم من فريق عمل يعين ولا يحبط.

سادتي، باختصار هو تعليم وطن.. وأبناء الوطن أمانة.