فايع آل مشيرة عسيري

من سرق الهواء؟!

الخميس - 23 فبراير 2017

Thu - 23 Feb 2017

للوهلة الأولى قد تعجب من القول: من سرق الهواء، للسرقة أسباب ودوافع نفسية ومرضية، ولها ما يبررها في بعض الأحيان، قد تسرق دون أن تشعر، وقد تسرق وأنت تشعر، وقد يسرقك خيالك وذكرياتك وآمالك، وقد تسرقك لحظات حلم في فجر مدينة متثائبة، ترى من سرق هواء اللحظة؟ من أقحمنا في سجون المظلمة، وطرحنا في هبات الريح الصائمة، وأجبرنا خلف القضبان واقفين، من كسر أجنحتنا ظلما وجبروتا، من جردنا من عواطفنا الإنسانية وجعلنا عقولا خواء، وقلوبا من جليد، وجسدا من حديد، وعينا من سم وأطرافا من حجارة؟!

ترى من جردنا من ذاتنا ومن أنفسنا من أطباعنا ومن أحاسيسنا وميولنا ورغباتنا، ومن علمنا القسوة والهجير، من علمنا البطش والانتقام، من علمنا الجور والتعدي وسخرية الناقمين، من علمنا لغة الدم والنبش وتقزيم الآخرين، من اختطف عقول أبنائنا وباتت عقولهم مستأجرة؟!

من علمنا أكل المساكين، من علمنا كفوف الباغين، من علمنا غلظة القلوب ومن علمنا طحن الضعفاء، من علمنا الغرور والكبرياء، ومن علمنا التعالي على الخطأ، من قال لنا إننا فوق النقد والتوجيه، من غرس فينا أنياب الخيانة، ومن علمنا ظلم النبلاء، من علمنا حب الذات، وأسقطنا في عالم التخبطات والتوهان، من أجبرنا على ظلم الحق؟

من علمنا التحرص والاتهام، من كذب علينا وزعم أن خطيئتنا لا تغتفر، ومن علمنا أن صراخ اللحظة يسكت الأفواه، من رسخ في ضمائرنا أن المعاملة بالمثل حل الأزمات، ومن وضعنا في مهب ظلمات الافتراس، من أعادنا لفكر الجدل العقيم ونسف ثقافة الحوار وحرية الرأي، ومن جعلنا تحت رحمة أحلام فائتة، من تركنا وحدنا نفكر، ومن علمنا خبث المكر والفر والعصيان؟

من أسقط الشريعة والسنة من منهجنا الإسلامي النبيل، من سبح بنا في بحر الخسارات والنهايات المقيتة، ومن سافر بنا دون زاد أو عتاد، من أخرجنا من شمس الحب والوفاء والانتماء إلى ظلام الكره والنفاق والضلال، من ظلمنا بطقوسه المريضة وجعلها مبدأ لا نتنازل عنه، من جلب لنا أفكارنا المسمومة وإجاباتها المغلوطة، ومن أقحمنا في لغط الحديث وتركنا في لعنة الفكر والانتحار، من جعلنا في صورة الحزين المسكين نقف على مفترق الطرقات؛ لله يا محسنين؟

قررت «من» الاستفهامية الهرب من سطوة فكر رجعي لا يعترف بالتعايش وثقافة الاختلاف واحتواء المختلف معنا!

هربت بعدما منحتنا الكثير من التساؤلات المطروحة، هربت بعدما ملأت فضاء الفكر بالتعاطي من زوايا مختلفة! هربت بعدما حملت نفسها ما تطيق وربما حملتها ما لا تطيق حراكا.

ومضة: بقيت الأسئلة تطرح على كل ملامحنا ومن خلالها ما زلنا نسأل: من سرق الهواء؟

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال