من جد وجد.. أخيرا!

الأربعاء - 22 فبراير 2017

Wed - 22 Feb 2017

أسبوع مميز للمرأة السعودية تبوأت خلاله أربع نساء مناصب قيادية لم يشغلها عنصر نسائي قبلهن في تاريخ المملكة. فقد ترأست سارة السحيمي مجلس إدارة السوق المالية السعودية، وحصلت رانيا نشار على منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة سامبا المالية، وأصبحت لطيفة السبهان مدير الإدارة المالية للبنك العربي الوطني، وأخيرا ترأست خلود الدخيل اللجنة الوطنية للإحصاء. سعدنا بهن وعلقنا بالتبريكات شأن الكثيرين وعلق أحدهم قائلا «أرأيتم، من جد وجد»! في إشارة إلى أنه



لا يوجد ظلم واقع على المرأة السعودية أو تمييز وإنما من جدت منهن وجدت كما يجد أي رجل سعودي مجد. لكن إن افترضنا ذلك هل يعقل أنه من بين كل المواطنين ولمدة ثماني عقود لم تجتهد مواطنة واحدة لتصل لمنصب قيادي بدون تعيين حكومي؟ هل كان كل الاجتهاد من نصيب الذكور، بينما تنام الإناث في سبات شتوي وربيعي وصيفي وخريفي؟



لنترك التنظير ونلقي نظرة فاحصة على الأرقام، حيث ينحصر احتمال الخطأ وعلى القوانين حيث تنعدم فرصة الاجتهاد. فبداية تأخر تعليم الإناث رسميا عن تعليم الذكور ستة عقود، وحتى بعد ذلك كان التركيز والإنفاق الحكومي على مدارس البنات متواضعا مقارنة بمدارس البنين وسط عوامل أخرى أسهمت في التأخير، مثل مقاومة المجتمع لفكرة تعليم البنات وإرسالهن للمدارس. ومع ذلك اجتهدت المرأة السعودية للحاق ولتدرك ما فاتها حتى تفوقت مؤخرا نسبة الخريجات من مرحلة الثانوية العامة على نسبة الخريجين من نفس المرحلة منذ بداية التعليم النظامي في المملكة بحيث كانت 65%.



أضف إلى ذلك تفوق نسبة الخريجات الجامعيات على نسبة الخريجين من البنين بتحقيقهن ما نسبته 58% من إجمالي الخريجين من الجنسين. فيا ترى كيف حدث ذلك وهن أقل اجتهادا؟ ناهيك عن أن منهن من لم يعطين حق اختيار تخصصهن أسوة بقرنائهن البنين ومع ذلك اجتهدن فيما أجبرن عليه من تخصصات.

المحظوظات من الخريجات واللواتي سمح لهن أولياء أمورهن بالعمل يواجهن تحديات يومية لا يواجهها الخريجون من البنين كتوفير المواصلات من وإلى مقر أعمالهن والاهتمام بشؤون المنزل والأسرة وتدريس الأطفال ورعايتهم، ومع ذلك يجتهدن أضعافا ويناضلن من أجل الوصول وتحقيق الطموح.



فيوم يتأخر السائق، ويوم يعتذر ويتمارض، ويوم يرحل قبل أن يصل البديل، بينما يتحكم زميلها بمواصلاته بكل راحة وانضباط. ويحدث أن تحمل الموظفة وتعمل لنفس عدد الساعات كزميلها الموظف، وتجتهد رغم الوهن ثم تأخذ إجازة وضع بما فيها من عناء وسهر لا استجمام وسفر، ومع ذلك تعود منها لتجد الطيور قد طارت بأرزاقها، وغيابها وقد حسب عليها مهنيا. تعود بقلب مقبوض وعقل مشغول على رضيعها لمكان عمل لا يوفر حضانة رغم القوانين التي لا تتجاوز الحبر على ورق الوزارة، ومع ذلك تتجاوز وتجتهد. يسافر زملاؤها الموظفون لتلقي التدريب وتطوير أنفسهم ولا يتسنى لها السفر إما لغياب تصريح ولي الأمر أو لمسؤوليتها تجاه أسرتها وأطفالها فتتصبر وتجتهد.



جميع ظروف العمل غير المنصفة تتحملها وحدها وتحسب عليها هي كموظفة طبعا، فيما يصعد الموظف وظيفيا أمامها ببساطة ويتجاوزها بجهد لا يتجاوز ربع جهودها. فوق هذا وذاك وبعد التأخر وعندما تصل أخيرا يعاد تدوير نفس العوامل التي أخرتها عن اللحاق لتصبح عوامل تستثني اختيارها للمركز القيادي كونه من المتوقع أن يؤدي المرشح الذكر لنفس المنصب دورا أفضل مع غياب تلك العوامل!



أعتقد أن بيئة العمل لدينا لم تنضج كفاية سواء من ناحية التمييز الجنسي أو العرقي أو القبلي لنتمكن من استخدام شعارات ناضجة. حين يصبح الكل على مستوى واحد من التسهيلات العلمية والعملية والظروف البيئية، حينها فقط نستطيع أن نقول «من جد وجد» و»لكل مجتهد نصيب».



[email protected]