عبدالله المزهر

وقود التفاهة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 22 فبراير 2017

Wed - 22 Feb 2017

التافهون موجودون منذ العصور الأولى لوجود الإنسان على هذا الكوكب، كل ما في الأمر أنهم كانوا يخجلون من الظهور، وكانوا مؤمنين أن التفاهة ليست مصدرا جيدا للكسب. الذي تغير في هذا العصر هو أنه أصبح ممكنا أن «تتكسب» بتفاهتك، بل وتتصدر المشهد وتستشار في القضايا المصيرية.



عدد المشاهدات هو آفة الذوق في هذه الحقبة البلهاء من تاريخ البشرية. حين يحقق برنامج على اليوتيوب عدد مشاهدات مليونين يصبح منتج المقطع نجما مع أن أغلب من شاهد هذا المقطع أو البرنامج شاهده من باب «اللقافة» أو حتى يثبت للآخرين الذين يرسل لهم «الرابط» بأن صاحب القناة معتوه.



حين تشتم أحد مشاهير اليوتيوب ثم تشارك الآخرين حلقته وتقول ممتعضا: انظروا ماذا يقول هذا الأحمق البذيء، فإنك قد حققت الغاية الوحيدة من برنامجه، وهو زيادة عدد المشاهدات وشتائمك لم تكن سوى محفز إعلاني لمشاهدته.



وهذا ينطبق على كل وسائل التواصل تقريبا، فأعداد المشاهدات وعدد المتابعين لا يعني بالضرورة الإعجاب بالمحتوى، لكن لغة الإعلان لا تهتم بهذا، والأعداد الكبيرة تعني النجومية حتى لو كانت ملايين اجتمعت لترمي صاحب القناة بكل ما خف نطقه وكبر معناه من الشتائم الافتراضية.



ولا يحتاج الأمر إلى فطنة لاكتشاف أن السواد الأعظم من منتقدي تصدر مشاهير الإعلام الجديد هم في الغالب من متابعيهم. وهؤلاء المنتقدون هم وسيلة الدعاية الوحيدة لهؤلاء «المشاهير». ولا يمكن الهرب منهم فستجدهم خلفك وأمامك في كل مكان ينشرون الروابط والحسابات ويشتمون ويحتسبون.

وأظن ـ والله أعلم ـ أنه لا يوجد حل أو طريقة لتبقى شهرة التافه بين التافهين فقط. هذا لن يحدث حتى يأتي شيء جديد يجعل «عداد المشاهدات» شيئا من الماضي، ولا يلوح في الأفق ما يدل على أن شيئا مثل هذا سيحدث.



وعلى أي حال..



أفكر في إنشاء قناة على اليوتيوب لكني لم أحدد بعد ما هي التفاهة التي سأمارسها فيها، فالأمور تسوء ولم تعد الرزانة واحترام الذوق العام أمرا يمكن الاعتماد عليه في «أكل العيش».



[email protected]