ترمب والهرطقة الدبلوماسية

الثلاثاء - 21 فبراير 2017

Tue - 21 Feb 2017

يعتقد البعض هذه الأيام أن الرئيس الأمريكي ترمب في حالة مواجهة مباشرة مع كثير من دول وشعوب العالم، بما في ذلك المنظومة القيمية التي تأسست عليها العولمة (الجديدة) من حرية التجارة، والتنقل للأشخاص والأموال، بالرغم من أن مؤسسة الرئاسة الأمريكية تعتبر وعلى مدى عقود رمزية للدبلوماسية العالمية ومدرسة للتفاعل الأممي الظاهر على السطح.

لكن السرعة التي تمكن بها ترمب من كسب سباق الرئاسة، في ظل تصرفاته وتصريحات المفاجئة للكل، ناهيك عن الفظائع التي كانت تتوالى من هنا وهناك، باغتت الكثيرين، بل وسببت الانقسام داخل الحزب الجمهوري نفسه، مما حمل جورج بوش الأب على التصريح علنا بعزمه على انتخاب هيلاري كلينتون.

منذ اليوم الأول بدأ ترمب في مواجهة البنية الأساسية التاريخية للسياسة. فالتهكم على أبرز الشركاء الاستراتيجيين عسكريا أو تجاريا ، كالأطلسي والاتحاد الأوروبي، ونعته لها بالمتهالكة، تحمل إشارات مربكة للجميع مع مفارقة تلطفه مع الروس ومغازلته لهم.

قد تعتبر أمريكا نفسها أثينا في حلف «الدالايان ليج» التي تزعمته الأخيرة في القرن الرابع قبل الميلاد، لمواجهة الإمبراطورية الفارسية، لكن تسلط أثينا إذ ذاك وغرورها قادا الحلف إلى التفكك والتمرد، وهو ما أدى إلى تمكن سبارطة حينها من الهجوم على أثينا وسحقها.

هكذا يحلو لبعض مفكري السياسة الأمريكية أن يستخدموا هذه المقاربات التاريخية، كون أمريكا تجسيدا لأثينا القديمة، دار العلوم والفلسفة وقلب اليونان التجاري النابض، وتشبيه روسيا بدولة المدينة المسماة سبارطة، وهي دولة شديدة البأس من الناحية الجهوزية الحربية، رجعية من الناحية الفكرية.

هل وقعنا في نفس الفخ الذي نحذر منه كثيرا؟ أي عندما نتسارع إلى صفحات التاريخ لنبحث عن مقاربات من الحقب الماضية، تمكننا من التنبؤ بما هو قادم، أو تفسير ما هو قائم، متجاهلين أن التاريخ لا يلتزم بأجندة معينة وهو بالكاد يعيد نفسه. هذا ما حصل حين قتل السفير الروسي في أنقرة، وتخوف البعض من حدوث الحرب الكونية الثالثة، كونه مشابها لما حصل إبان الحرب العالمية الأولى.

مشاكسات ترمب التي لا تنتهي جعلته مادة إعلامية دسمة للجميع، وربما ذلك جزء من شخصيته المشاكسة المحبة للظهور كرمزية ناجحة مبهرة. فقد شارك في أفلام هوليوودية، وإعلانات تجارية، وألف عدة كتب تحفيزية. وأخيرا توج إنجازاته تلك بالفوز في سباق الرئاسة.

وهنا، وبين حيرة الخصوم، وتعجب الحلفاء، نسأل: هل هي سياسة إرباك، أم ارتباك سياسي، أم هي هرطقة دبلوماسية وثورة على جميع الأعراف السابقة؟

الأيام حبلى بالمفاجآت!