مرزوق تنباك

ملاحظة سوسيولوجية

الثلاثاء - 21 فبراير 2017

Tue - 21 Feb 2017

بعض القضايا تجمع الناس كلهم ولا تختص بأحد دون آخر، يتحدث في أمرها المختص وغير المختص والمسؤول وغير المسؤول، وتجد الخلاف فيها أو الاتفاق نسبيا في بعض الحالات وبعض المواقف، وكثيرا ما نسمع الحديث في موضوع اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي وغيره ونرى أنه لا يستقطب اهتمام الناس بل يترك الأمر فيه للقليلين أو للمختصين أو حتى للمكلفين في إدارة شؤونه، ويأتي أمر مثله يتناول الموضوعات التي تناولها الأمر الأول فلا تجد الناس يتركون الكلام فيها لأهل الاختصاص ولا للمكلفين في شأنها وإنما يأخذ كل حقه في التعبير عما يراه ويعتقده.



ولعل الجدل الكبير والحديث الواسع والتعليقات من جميع المواطنين حول طرح حصة بسيطة من شركة أرامكو في الأسواق وتخصيص بعض أسهمها هو مثال حي لما نريد الحديث عنه في هذه الكلمة، كل شخص وكل مواطن يتكلم عن هذا الأمر وكأنه صاحب الحل والعقد فيه والمسؤول الأول والأخير عنه.



المختصون في الاقتصاد يقولون في الأمر قولهم، والمختصون في البترول وشؤونه وشجونه يقولون قولهم، والكتاب يكتبون ويسطرون آراءهم، والناس الذين لا يجدون أوعية لنشر أفكارهم غير السناب وتويتر والفيس يشاركون بقوة ويتحدثون وكأن الأمر يعنيهم وحدهم، والغريب أن هؤلاء الذين أشرت إليهم ليسوا متفقين على موقف ولا على رأي بعضهم مع الطرح وبعضهم ضده ولم يقف أحد على الحياد.



ومع هذا الاختلاف تكون الظاهرة موضع اهتمام وموضع سؤال وموضع اختلاف، لماذا كانت أرامكو قطب الرحى بينما هناك قضايا كثيرة تهم جميع الناس، فمثلا الإسكان قضية القضايا منذ عشر سنوات ولم يجتمع الناس على رأي فيه ولا نال شيئا من بعض ما ناله الاهتمام بأرامكو، الصحة مرض مزمن منذ عشرات السنين ومع ذلك لم يحرك في المجتمع اهتماما عاما ولا بعض الاهتمام الذي نالته قضية الساعة (طرح أرامكو) وقد تكون قضية العصر كله، ومثل الصحة والإسكان كان التعليم وما ينفق عليه وما يقوم به ومخرجاته وما يتعلق به، ولم ينل ما ناله أمر الحبيبة أرامكو وغير ذلك من القضايا المعيشية والاجتماعية الكثيرة التي يتعلق بها مصير المجتمع كله ولم يظهر من الحب ما أظهره المجتمع لأرامكو وشأنها.



هذا الكلام ليس تعبيرا عن رأيي الشخصي، رأيي الشخصي طرحته في مقال سابق في هذه الصحيفة منذ بدأ الحديث عن فكرة بيع جزء قليل منها، وناقشت الموضوع مرة أخرى في ندوة الجنادرية التي استضافت عددا من الوزراء قبل أسبوع، ومنهم وزير المالية ووزير الطاقة المسؤول الأول عن أرامكو وسمع الجميع رأيهم.



الحديث هنا في هذا المقال هو ملاحظة سوسيولوجية، أي كيف تحرك بعض القضايا وجدان الناس فيجمعون على أهمية الكلام فيها وتصبح شأنا عاما؟ وكيف يتفاعلون مع بعض الأحداث بشكل جماعي تفاعلي لا يكون وراءه مؤثرات وإنما يأتي انطباعا عفويا مشتركا، ولا يحصل التفاعل نفسه مع أشياء أخرى قد تكون أكثر اتصالا بحياة الناس وأكثر أهمية. إن المجتمعات تتمتع بحاسة دقيقة تستشعر المهم من الأشياء والخطير منها، وما يمس مصالحها المشتركة وتقدر تلقائيا الضرر الذي قد يحدث منها أو النفع الذي يترتب عليها وأرامكو كذلك.



[email protected]