محمد العوفي

مبدأ بيتر وتآكل الكفاءات

الاثنين - 20 فبراير 2017

Mon - 20 Feb 2017

في نهاية الستينات من القرن الماضي، وتحديدا في عام 1968م ظهر مبدأ بيتر «Peter Principle»، نسبة إلى أستاذ الإدارة الكندي «لورانس بيتر»، تتمحور فكرة هذا المبدأ بشكل مختصر حول أن الموظف ستتم ترقيته على وظيفة أعلى من وظيفته الحالية بناء على أدائه ونجاحاته في وظيفته الحالية، بغض النظر عن المهارات التي يتطلبها القيام بالوظيفة الجديدة، والتي قد لا تتوفر لديه، بمعنى أن أداء الموظف وجدارته وكفاءته في وظيفته الحالية ستحدد مسار ترقيته إلى وظائف أعلى، بغض النظر عن توفر المهارات اللازمة للقيام بهذه الوظائف لديه أم لا، أو في حالات أخرى قد يتم نقله وتحريكه من وظيفته الحالية إلى وظيفة أخرى في ذات المستوى على أمل أن يسهم في زيادة فعالية قسم ما أو إدارة ما أو جهة ما أو حتى وزارة ما.



وفقا لمبدأ بيتر، فإن هذا الموظف ستتم ترقيته وفقا للتسلسل الإداري في المنظمات، سواء كانت حكومية أو خاصة، حتى يصل إلى نقطة معينة سيجد نفسه عديم الكفاءة، أو بكلمة أكثر قسوة «فاشلا»، ولن يقدم شيئا يذكر في وظيفته الحالية، والسبب في ذلك ترقيته إلى وظيفة لا يتقنها لأنها تكون فوق مستوى قدراته، وهذا بالطبع سيحوله من موظف كفء وفعال إلى العكس تماما، ويعتاد على أداء عمله بغير إتقان، مما يؤدي إلى تآكل الكفاءة.



قد لا يرتبط هذا الفشل بعجز أو عدم كفاءة الموظف، وإنما يعود إلى حاجة المنصب الجديد إلى مهارات وقدرات لا يمتلكها الموظف، لأن المنصب الجديد يختلف كليا عن المنصب الآخر الذي حقق فيه الموظف نجاحا، وبالتالي فإنه يتطلب مهارات عمل جديدة ومختلفة نوعا ما عما يملكه الموظف.



فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يؤدي تفوق عامل المصنع في عمله إلى تأهيله لكي يكون مديرا، ولكن في هذه المرحلة لن تكون مهاراته التي أهلته لهذه الترقية قابلة للتطبيق في المنصب الجديد.



من خلال إسقاط مبدأ بيتر على كثير من الحالات الإدارية، نجد أننا ننتهجه بشكل متكرر لحلحلة مشاكل بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية بشكل عام، فعندما ينجح وزير أو مسؤول في مكان ما، يتم نقله وترقيته أو تعيينه في وزارة أو مكان آخر على أمل أن يحقق النجاح نفسه ويسهم في حل مشاكل هذه الإدارة أو تلك، والنماذج كثر، سواء أكان ذلك على مستوى الوزارات وقياداتها العليا، أو الإدارات التنفيذية في الجهات الحكومية وشبه الحكومية.



خلاصة ما ذكره بيتر في مبدئه أنه «سيأتي الوقت الذي سيكون فيه كل منصب وظيفي مشغولا بأحد الموظفين الذين لا تتوفر لديهم الكفاءة لتنفيذ الواجبات اللازمة لهذا المنصب»، وبالتالي فإن المنطق يفرض الأسئلة التالية: كم موظف لدينا، سواء في المناصب القيادية الحكومية أو شبه الحكومية أو الخاصة، ينطبق عليه مبدأ بيتر؟ وهل اقتنعت أن نجاح شخص في مكان ما لا يعني بالضرورة نجاحه في مناصب أخرى، وأن القادمين من القطاع الخاص أو ما نسميهم اصطلاحا «التكنوقراط» ليس بالضرورة أن يحققوا نجاحا في القطاعات الحكومية.



اتباع مبدأ بيتر سيقود حتما إلى تآكل الكفاءات، لأنه يعطلها عندما تتم ترقيتها إلى مناصب أو مواقع وظيفية لا تملك المهارات اللازمة للقيام بها، فلا هي استمرت في وظائفها السابقة واستمرت في تحقيق النجاح فيها مما يسهم في تطوير إدارتها وعملها، ولا هي نجحت في تحقيق نجاحات تذكر في وظائفها ومناصبها الجديدة.



على أي حال، ليس هناك ضمانات مؤكدة تمنع حدوث «مبدأ بيتر» في ظل المنهج المتبع الحالي في الترقيات في الجهات الحكومية، أو حتى في التعيينات المستقبلية في المناصب القيادية العليا والحساسة ما لم نتحول إلى التركيز على القدرات والمهارات التي يمتلكها الموظف المرشح ومطابقتها مع الدور والمهارات التي تتطلبها الوظيفة الجديدة.



[email protected]