الهوية.. تميز أم تمييز

الاحد - 19 فبراير 2017

Sun - 19 Feb 2017

الحديث عن عمى الألوان في لوحة يتشكل منها مجتمع واحد ليس حديثا عن حالة مرضية بالمفهوم الطبي الذي يستلزم زيارة طبيب للعيون، بل نقطة تستدعي الوقوف عندها لنبدأ رحلة التأمل والاطلاع في كتب التاريخ وأقوال المؤرخين حتى نصل إلى القناعة الكافية بأن الهوية الأصل لا تلغي الفرع، بل تكمله وتتجانس معه في قالب جميل يظهر جميع الألوان كما هي دون عبث ولا خلط ولا تمييز ولا مزج، كي لا ينتج لنا هوية هي أقرب إلى المسخ منها إلى التفرد الذي يقود إلى التيه بين الهويتين.

يعد التنوع الثقافي لأي أمة مصدرا من مصادر الفخر والاعتزاز، وتوصف تلك الأمة بأنها تتمتع بالغنى الثقافي نظرا لتنوع الأعراق فيها دون أدنى خجل أو استحياء من ذكر وجود السكان الأصليين ومدى الاختلاف بين تلك الأعراق في اللباس والعادات الاجتماعية بشتى صورها، فالأصل أو الفرع امتداد لهذه الثقافة في شجرة المواطنة الوارفة التي يسقيها كل أبنائها الصالحين الذين يضيفون التميز إلى بستان الوطن الواحد لأنهم يشكلون إحدى لوحات هذا الجمال بلون يختلف عن أخيه الآخر مشكلا لوحة راقية يهيم بجمالها الناظر. ولنا في الحضارة الإسلامية خير دليل، فلم تنهض الأمة بسكانها الأصليين فقط بل بما حوته من جميع أبنائها على اختلاف بقاعهم وأصولهم الذين أضافوا بإنجازاتهم إلى الإنسانية الازدهار والتطور الذي اخترق سقف العالم حضاريا في جميع المجالات.

وفي العصر الحديث وفي العالم الغربي الأمم المتقدمة تعرف هذا وتعترف به وتفخر به، فالأفارقة والأوربيون على سبيل المثال في الأمريكيتين يذكرون أصولهم ويفتخرون كتطبيق عملي لـ»ليتها عيرتني بما هو عار»، بل ويعترفون بأن الهنود الحمر هم السكان الأصليون ويدرسون حضارة الإنكا ويفخرون بتاريخ أمة الأزتيك حتى أطلقوا التسمية على الاستاد الرياضي الشهير بالمكسيك التي كانت مزدهرة قبل دخولهم إلى ذلك العالم الجديد، ولا يجدون حرجا في ذلك لأنه لا يستدعي الحرج أصلا ما داموا جميعا لا يشكلون عبئا على ذلك المجتمع وما داموا جميعا سواسية أمام القانون. لهم فلكلورهم الخاص وطقوسهم الاحتفالية الخاصة وحتى أزياؤهم التراثية الخاصة، ويعيشون أسوياء في كنف المدنية الواحدة.