شاهر النهاري

إردوغان والعلمانية والبقاء

الاحد - 19 فبراير 2017

Sun - 19 Feb 2017

تصفحنا أوراقا كثيرة من مخيلة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، عبر مقابلته التلفزيونية مع تركي الدخيل على قناة العربية.



البعض منا أيد أو عارض محتواها، وتباينت مستويات الفهم، والرغبة في الفهم بين مشاهد وآخر، وربما تداخلت النوايا في تحريك كلمات المقابلة لتصب مرة في صالح إردوغان، ومرات في صالح جهات أخرى.



وما يهمني من المقابلة ذلك الجزء الذي وضح فيه إردوغان مفهومه الخاص عن العلمانية، التي تطبق في بلاده، قائلا: أنا لا أعتبر العلمانية معاداة للدين، أو عدم وجود الدين، والفرد لا يمكن أن يكون علمانيا بذاته، لأن العلمانية ليست ديانة؛ الدولة فقط هي التي يمكن أن تكون علمانية، والعلمانية هي ضمان الحكومة للديمقراطية ولحريات الأديان والمعتقدات، بمعنى أنها توفر الأرضية الملائمة لممارسات كافة البشر لشعائرهم الدينية بكل حرية، حتى الملحدين، ولا يمكن اعتبار العلمانية تسليط رأي أو موقف على المتدينين فهذا غير صحيح وغير مطلوب إطلاقا.



وأضاف: هنالك مفاهيم عالمية خاطئة للعلمانية، فمثلا في أوروبا، يوجد تأويلات وتفسيرات مختلفة للعلمانية؛ ولكنا في تركيا، وخصوصا داخل الحزب، الذي أسسته نعرف العلمانية بهذا الشكل.



ودعوني أقل هنا: عجيبة تلك العلمانية، التي يبشر بها إرودغان، فهي سلام يسعى للمثالية، وإرضاء جميع الأطياف الدينية والسياسية، والفكرية؛ حتى يجد فيها كل نقيض، وكل شاذ ما يرنو إليه في حياته.



ومن الجانب السياسي لرؤية تركيا، حدد أنها متسامحة مع كافة دول العالم، وهي عضو مع العالم الغربي في حلف شمال الأطلسي، وعلاقاتها متينة مع أمريكا سواء قبل ترمب، أو معه، وكذلك مع دول الخليج، والدول العربية والإسلامية كافة، وتعدت ذلك باستطاعتها لجمع المستحيلات بالتعامل مع إيران وروسيا وإسرائيل في نفس الوقت والصورة.



دينيا لا يفرق بين أي مسلم سني أو شيعي أو أي من الجماعات والفرق، التي لا يتفق مع العالم بأنها إرهابية، مثل الإخوان المسلمين، معتبرا أنها فقط مختلفة بالفكر؛ وليس بحمل السلاح!



كما أنه يساوي بين مختلف الطرق والجماعات في الحقوق والواجبات وفي حرية أداء الشعائر، وإعطاء كامل الحقوق للمرأة والأقليات.

وهو أيضا لا يفرق بين يهودي ولا مسيحي ولا بوذي وسيخي، وغيرهم من المعتقدات العالمية، كما أنه يقبل اللاديني، والملحد، وأصحاب الشذوذ الفكري، ولا ينفي حقوقهم.



وقد أشار إلى داعش وما سبقها من جماعات إرهابية بأنها ناشئة على أسباب سياسية، لا دينية، وبدعم من جهات لم يسمها.

إردوغان سياسي ذكي، ومتصالح مع العالم بأجمعه، إلا جهات بعينها يرى فيها سر خراب الكون، مثل منظمة المعارض التركي «غولن»، والحزب الديمقراطي الكردي، والنظام السوري.



وحقيقة أن التمعن في كنه دولة تركيا الحالية، ومحاولاتها للتوازن بين دول العالم، والمساواة والتقريب بين فئات البشر المتنافرة يجعلها المدينة الفاضلة، التي يجد فيها جميع البشر سعادتهم.



وتطمينا للجميع نفى مجرد تفكيره في إعادة دولة الخلافة التي كان يعول عليها الكثير من المهرولين.

والسؤال، هل هذا فعلا ما يحدث، خصوصا مع تكرار أعمال الإرهاب على تركيا، وهل ما يقال في العلن، هو نفسه ما يدار في الخفاء؟.

هذا ما ستفصح عنه قادم الأيام للدولة الصديقة الفاضلة تركيا.



[email protected]