هبة قاضي

المعادلة السحرية للسعادة

دبس الرمان
دبس الرمان

الاحد - 19 فبراير 2017

Sun - 19 Feb 2017

رحت أنظر من نافذة الطائرة بسعادة واستمتاع إلى منظر الغيوم المتناثرة في الأفق، وأنا أفكر كيف كنت أنظر إلى نفس المنظر قبل سنة بضيق وتعاسة بسبب أزمة مررت بها. اعتدلت في جلستي وبدأت أتفكر في كيفية تغير رد فعل الإنسان تجاه نفس الأشياء تبعا لتغير حالته الداخلية وليس العكس كما كنا نعتقد.



وما جعلني أتعمق في تفكري أكثر هو فكرة أننا نعيش واحدا من أكثر عصور البشر تحضرا وتطورا والذي ازدادت معه وسائل الراحة والرفاهية، في حين أنه تزداد طرديا مشاعرنا وأفكارنا تعقدا في محاولة لمجاراة سرعة الحياة وتغير إحداثياتها من لحظة لأخرى.



الأسبوع الماضي أقيمت في مدينة دبي القمة العالمية للحكومات، وهي ملتقى سنوي يستعرض أحدث الممارسات الاستراتيجية لتطوير الحكومات والشعوب. وكان موضوع هذا العام هو الحوار العالمي للسعادة، والذي تمت مناقشته من خلال وزارة السعادة والتي أطلقت برنامج (الإمارات السعيدة) الذي يهدف لتعزيز مفاهيم السعادة والإيجابية في المجتمع. وقد تم استعراض القواعد الأساسية للسعادة في عصرنا الحديث بثلاثة أركان رئيسية وهي، أولا: الإيجابية، وهي طريقة تفكير وقناعات راسخة تجعلك تنظر إلى الجانب المشرق من الأمور، وتركز عليه مسببا تنميته، ويساعدك على رؤية الحلول والمخارج في المواقف المعقدة والصعبة، كما يساعدك على تجاوز الأزمات والمصاعب بصدر رحب، ويسارع لنهوضك منها مقتنعا بأنها كانت دروسا تعدك لشيء أفضل.



ثانيا: العلاقات النوعية والتي يؤدي تواجدها في حياتك إلى شعورك بالاحتواء والانتماء والأمان والتي تضمن لك الشعور بالتقدير والحب والاكتفاء الداخلي. ثالثا: المرونة، وهي قدرتك على التكيف مع المتغيرات والظروف بسرعة وذكاء تماشيا مع متطلبات العصر الذي نعيشه بحيث تكون متجددا ومواكبا وربما أيضا استباقيا.



ربما نتساءل بعجب عن أهمية مناقشة موضوع ترسخ في اعتقادنا وفي ثقافتنا أنه مجرد نتيجة وليس علما ومسببا قائما في حد ذاته، ليجيب أحد المختصين باحترافية بأن السعادة أو ما يسمونه بالإنجليزية well being لم يعد رفاهية، بل هو ضرورة تضمن أجواء صحية من العيش المسالم، الإنتاجية العالية، والإبداع المتجدد الذي يضمن التطور المستمر.



ولو أننا عدنا للتعمق قليلا في ديننا وثقافتنا لوجدنا أن مفهوم السعادة الذي بدأ منذ سنوات في أخذ حيز واسع من الدراسة والبحث ليظهر بحلته الحالية يشبه إلى حد يقارب التطابق مفهوم الحياة الطيبة التي وعد الله بها في كتابه الكريم العاملين الصالحات والمؤمنين به. وأن مفهوم الإيجابية هو نفسه مفهوم (كل أمر المؤمن خير) الذي أوصانا به رسولنا المصطفى. وأن توصياتهم بممارسة الامتنان بصفة دائمة لأنها تدفع الإنسان للوعي بالنعم المحيطة به هو نفسه مفهوم (ولإن شكرتم لأزيدنكم). وأننا في النهاية لو فكرنا في أولئك الذين يعيشون في بنجلاديش أو أفريقيا حيث يعملون في أعمال شاقة كل يوم لضمان لقمة عيشهم، في حين أن الحرب والأزمات الطبيعية تهاجمهم باستمرار يجعلهم يعيشون في حالة ترقب دائم، لا وقت لديهم للشعور بالتعاسة على مدى سوء وضعهم، بل سعادة مطلقة ورضا تام لمجرد أن هذا اليوم مر بسلام، وأن أمامهم قصعة عشاء، وأنهم ممتنون لمجرد بقائهم على قيد الحياة.



[email protected]