عبدالعزيز الخضر

حساب المواطن.. حوار مع الدكتور إحسان بوحليقة

الاحد - 19 فبراير 2017

Sun - 19 Feb 2017

لا توجد دولة في عالم اليوم مهما كان نوع وقوة اقتصادها ليس لديها برامج دعم حكومية محددة. كفاءة هذا الدعم وفعاليته هو الذي يفرق بين تجربة اقتصادية وأخرى، فهناك الكثير من برامج الدعم الموجه ليس للمواطن بشكل مباشر، وإنما أيضا لقطاعات إنتاجية ومؤثرة في اقتصاديات هذه الدول، لكن مشكلة الاقتصاد تأثره بعدة عوامل سياسية واجتماعية وتاريخية في تطور هذه الدولة أو تلك، ولهذا يصعب أن تجد في كل تجربة جزئية أو كلية ما يناسب ظروف بلدك، وهذا مجال التحدي لصناعة تجربتنا الخاصة، ولهذا فاستحضار الكثير من أفكار الدعم من تجارب اقتصادية أخرى كالهند أو دول أوروبية وغيرها هو استحضار مشوه ما لم نشر إلى الفوارق بوضوح. في هذه المرحلة نحن بحاجة إلى حوارات وسجالات فنية واقتصادية، وهو سياق مختلف عن مجال القرارات الاستراتيجية، حيث تضطلع هذه الحوارات النقدية بدور تنويري قبل وبعد وأثناء كل تجربة جديدة، وهذا لا تستطيع القيام به اللجان والندوات والمؤتمرات التي يغلب عليها جانب المجاملات الرسمية تضعف من فعاليتها.



ولأننا نمر بمرحلة تحول ضخمة وتاريخية في تغيير طريقة الدعم الحكومي وواجهته في هذه التجربة هو برنامج «حساب المواطن» لمواجهة أعباء ارتفاعات متعددة من أهمها الطاقة. ليس لدينا تجارب سابقة وتاريخية في الدعم المباشر بحيث نستطيع أن نتصور تأثيره وفعاليته، باستثناء برنامج حافز الذي جاء في سياق تطورات الربيع العربي وليس نتيجة رؤية اقتصادية منهجية، وهذا ما يزيد من صعوبة تصور طريقة التكيف الاقتصادي والاجتماعي معها. ولهذا فمناقشة جدوى الدعم بهذه الطريقة أو طرق أخرى لا يزال بحاجة إلى حوارات وكتابات متنوعة، وحتى الانطباعات الشعبية هي جزء من التجربة، وليست خارجه بحيث يمكن إهمالها.. فالصعوبات القادمة قد يظهر بعضها بصورة أكبر مع زخم المتغيرات، وتأثيرها على جوانب عديدة.



من حسن الحظ أنه يوجد أمثال الدكتور إحسان بوحليقة، وهو من الأسماء القليلة التي تعتني وتحترم القارئ بما تقدمه للصحافة من مقالات حول القضايا الاقتصادية المحلية منذ التسعينات، وأقدر كثيرا ما يقدمه، وخلال الأسابيع الماضية كان هو أفضل من تناول برنامج «حساب المواطن» بصورة مفصلة عبر سلسلة مقالات في جريدة اليوم، حاول الإجابة فيها عن كثير من التساؤلات الشعبية، من خلال عدة عناوين «حساب المواطن وشبكة الأمان الاجتماعي»، «الأثرياء و»حساب المواطن!»، «هل «حساب المواطن» ضريبة؟»، «الطبقة الوسطى التي نخاف أن تضيع»، «حساب المواطن في مواجهة خطوط الفقر والكفاف والبحبوحة!».. واتسمت مجمل إجاباته بروح المؤيد للبرنامج والمتفائل، لكن هناك جوانب في هذه السلسة من المقالات لم تأخذ حقها من المعالجة وسأحاول الإشارة إليها هنا بصورة عامة.



فبخصوص تقسيم توجيه الدعم إلى خمس شرائح فأظن أنه يحتاج إلى مراجعة، حيث سيقلل من فرصة العدالة كثيرا، فتفاصيل حالة الأسر معقدة خاصة أننا في مرحلة انتقالية وبعضها متورطة بأقساط سكن وأعباء مالية سابقة فوجئت بهذه المتغيرات، والبرنامج في الواقع يسأل عن الدخل ولا يسأل عن النفقات والأعباء المالية لكل أسرة. وفي نظري أنه قد يفيد كثيرا الأسر الفقيرة ومستحقي الضمان، لكن بخصوص الشرائح الأخرى كأنها تعاقب على ارتفاع دخلها قليلا عن الشريحة التي قبلها! إن تضرر الطبقة المتوسطة المضغوطة أصلا، له إشكاليات قد تفوق الشيء الذي حاولنا تجنبه منذ البداية، الجانب الأكثر إشكالا في تحقيق العدالة والتعويض هو جانب النقل والوقود فهناك فرق كبير بين من يعيش في المدن الكبيرة والصغيرة، في ظل عدم وجود نقل عام رخيص، فستكون تكلفة النقل باهظة مع نوعية السيارات الموجودة وطول المشاوير العملية وتفرقها، وقد يكون هذا أقل في القرى والمدن الصغيرة.



عمليا يسهل تمييز الأسر الثرية وهي قليلة جدا بسهولة، وهي لن تتأثر بأي نوع من أفكار الدعم القديمة أو الجديدة، وبالرغم من استفادتها في السابق من الدعم إلا أنها رقميا ليست كبيرة مقارنة بنسبتها في المجتمع. الجانب الذي لم يستحضره الدكتور إحسان أن الدعم السابق للطاقة كان يستفيد منه المقيمون وهو رقم أكبر من حكاية الأسر الثرية، ولن تستطيع هذه الفئة التكيف مع الأسعار الجديدة فهي خارج البرنامج، وهذا له جوانب إيجابية شعاراتية بحكاية التوطين، لكنه حقيقة قد يخلق إرباكا لدخلهم وبقائهم في البلد.. وتأثير ذلك على تكلفة أشياء أخرى كثيرة وستنعكس على المواطن، وهل سيؤدي إلى انهيارات المشاريع الصغيرة، وانكماش عام في ظل عدم وجود قطاع خاص قوي، حيث نجده يتأثر مع أي هزة صوتية بالاقتصاد، فكيف إذا أصبحت حقيقة.



لقد نجحت هذه السلسلة من المقالات في تحرير الأسئلة الأولية خاصة لشريحة كبيرة تبدو جديدة عليها مفاهيم الدعم في الاقتصاد الحديث، لكن الإشكال الأهم أننا بحاجة إلى أسئلة استباقية وصناعة رؤى عامة حول تأثير ذلك على مستوى المعيشة وتأثيره قبل ذلك على الاقتصاد المتشوه، وهل سيسهم في التخفيف منه أم إرباكه، ولم تركز هذه المعالجات على إشكالية الجانب الانتقالي الذي لن تتضح رؤيتنا له إلا بحدود العشر سنوات، فكل تحديات التجارب التنموية في العالم هي في المراحل الانتقالية، فأنت تؤسس على شيء مؤسس من قبل. والإشارة إلى تجارب أخرى مفيد، فلا أحد يعيد اختراع العجلة، لكن السؤال عن أي نوع من العجلات يناسبنا.. وأي اقتصاد يشابهنا في العالم؟!



[email protected]