أسامة يماني

الجاهلية الحديثة

السبت - 18 فبراير 2017

Sat - 18 Feb 2017

تعيش الأمة المحمدية أزمة حقيقية وجاهلية حديثة لانتشار الجهل والأمية والعنف والدمار والخراب والمرض والأوبئة والمجاعات والعصبيات والقبليات والمذهبيات في داخل القطر الواحد، فانظر حال معظم الدول العربية لتجد هذه الأوبئة لا يكاد يسلم منها أحد. فحال العراق وما يعصر ويعصف به من تشريد وغزو ومجاعة ليس بأحسن من الصومال أو ليبيا أو سوريا.



الجاهلية الحديثة داء عضال تعاني منه الأمة الإسلامية، لجأ البعض في علاجه إلى إحياء فكرة القومية العربية، وآخرون انتهجوا الانقلابات العسكرية أو الميليشيات بدعوى تحرير الأرض، واستغل البعض الدين وقاموا بتوظيفه سعيا وراء النفوذ والمال، وأصبحوا يقتلون ويدمرون باسم الله، ووظف البعض الدين لإثارة حماس الناس وتشجيعهم للخروج على الحكام، أو الحصول على المقاعد النيابية (مجلس الشعب). وأما من سلك طريق التنمية والقبول بالآخر كدولة ماليزيا على سبيل المثال فقد أفاد العباد والبلاد بعيدا عن الأيديولوجية والحزبية والعصبية.



فالجاهلية الحديثة أشد سوداوية وظلامية وقهرا واستبدادا، تستخدم كلمات ميتة لا تساوي المداد الذي خط بها، فالكرامة والعزة في واقعها هوان وضياع، والأسرة أصبحت تسلطا وإهدار كرامة، والعديد من المفاهيم الدينية تأخذ من الآخرين وكما قيل «إن النص الديني لا يستطيع أن يحقق أبعاده الفكرية إلا إذا أتيحت له فرصة التفسير المحايد الخالي من شوائب الثقافات السابقة، أما إذا وقع فريسة التفسيرات المستمدة من المفهوم المحلي للكلمة، فإن النتيجة التي لا يمكن تجنبها قط هي أن تلبس الثقافة المحلية قناع الدين خلال عملية التفسير والإضافة وتسخر لخدمة أهدافها القديمة لكي تصبح درعا للمحافظة عليها بدلا من أداة لتغييرها».



الجاهلية الحديثة ترى أنها تملك الحقيقة، وأن الضلال والكفر والفسوق هي صفة من يخالفها، وتعتمد على مفاهيم بشرية وتلبسها ثوب الدين، كما تعتمد على التلقي لا على البحث والفحص والتمحيص والتفكير لهذا ينجح الفكر الظلامي في توظيف بعض طلبة مدارس تحفيظ القرآن للقيام بتفجير أنفسهم أو بالزج بهم في الحروب والمعارك التي لا ناقة لهم فيها أو جمل.



الجاهلية الحديثة مقاومة للتغيير تتمسك بالماضي الذي صنعته وصورته ليتماشى ويتماهى مع أفكارها التي لا تصلح حتى للماضي التليد.



الجاهلية الحديثة تعادي وتكره كيان الدولة الحديثة وتسعى في تقويضها لأنها تعتبر الدولة الحديثة خطرا على كيانها وأفكارها وأدبياتها، لهذا فهي معيقة للاقتصاد والتعليم والترفيه والصحة وكل مظاهر الحياة.



فالجاهلية الحديثة مشجعة للخرافات لهذا تزدهر فيها تجارة الدجالين والنصابين والجن والعفاريت، ويصبح الشكل أهم من المضمون وأهم من قيم الأخلاق والعدالة والإنصاف وإعطاء الناس حقوقهم والعطف على الصغير والرحمة.



لهذا فإن الدولة الحديثة وإرادة التنمية والتطوير هما الوسيلة للقضاء على هذه الجاهلية الحديثة التي أصابت المجتمعات.



osamayamani@

مستشار قانوني