آلاء لبني

فينيسيا السعودية

الخميس - 16 فبراير 2017

Thu - 16 Feb 2017

نعيش مخاوف الأمن المائي منذ سنوات، وبين مختصين ومسؤولين نزرع أم لا نزرع، ووعظ الوعاظ لا تسرف (ولو كنت على نهر جار)، وتنديد مسؤول مائي بإسراف المياه، ومشكلة الحمامات غير الصحية وأحواض الاستحمام والمسابح... إلخ، ورفع تعرفة المياه حتى يشعر الناس بقيمتها، ومحاذير ومشكلات ودراسات تصرف عليها الملايين، ومؤتمرات تقام هنا وهناك، لعل آخرها منتدى المياه والبيئة الأسبوع المنصرم. لا أعلم ماذا سيكون نصيب النتائج والتوصيات أدراج المكاتب الفخمة أم إنجازات مكتوبة ومقروءة وموقوفة عن التفعيل.

المهم ومع طول هذه المقدمة وكل هذا الفقر المائي يخاف الناس هطول الأمطار، ويترقبون مواسمها لتتحول أحياؤنا وشوارعنا لقصص تحكي عجائب الحوادث، وتصبح الشوارع بحيرات وممرات مائية، وإن سلم الناس في موسم يترقبون موسما آخر فيه تغزو المياه منازلهم ومرافقهم العامة. حتما لسنا في بنجلاديش، ولم نجرب فيضانات حقيقية، كل ما في الأمر أمطار ذات شدة عادية لم تتحملها بنيتنا التحتية. وبدل أن نستغل بركات السماء وقطرات الماء في مواجهة وتعزيز الأمن المائي نضيع في سيولها وتغرق مدننا.

عسير غرقت قبل أيام، ولعل الألم والمعاناة ترجمها بعض رواد التواصل الاجتماعي بالسخرية بإطلاق مسمى العاصمة المائية على أبها، بدلا من السياحية. غرق أبها بالسيول حدث بسبب اتساع الكثافة العمرانية في مجرى الوادي وضفافه، وبسبب الانحدارات الشديدة في غرب أبها، وضيق الممرات وعبارات التصريف من الجهة الشرقية، ووقوع بعد المخططات كالمنسك والمروج في دائرة خطر السيول.

تطوير البنية التحتية ضرورة من ضرورات سلامة البيئة وحفظ للأرواح والممتلكات. الكثير يعتبر كل هذا صورة من صور الفساد والإهمال، ولكن من وجهة نظري (الجهل) أكثر وأشد بأسا، وهو شريك في انتشار وباء غرق مدننا، وذلك نتيجة الجهل بعدد من الأمور، منها:

ـ مفهوم حماية البيئة والمحافظة عليها أمر حاضر كمسمى مغيب فعلا من تخطيط وزارة البلدية والقروية.

ـ المختصون بجيمورفولوجية الأرض وهيدرولوجيتها ومهندسو البيئة والمياه غائبون عن ساحة البلديات، بينما تكتظ بتخصصات الهندسة المعمارية والمدنية والحاسب. المفروض أن تتغير المعادلة في السنوات القادمة، وتخطو وزارة البلدية لتكثيف الطلب على التخصصات التي تفتقر إليها.

ـ تخطيط الأحياء والتوسع فيها، وإصدار الموافقة على المشاريع لا يقتصر على القياسات الأرضية واعتماد المسؤولين، أيا كان تخصصه، المفروض أن يرفع الجهل بإشراك مختلف التخصصات ذات العلاقة.

ـ غياب المختصين الفاعلين والأكفاء بعلم الهيدرولوجييا والجغرافيا بسبب ضعف مخرجات التعليم، من تخصصات العلوم الأرضية والجغرافيا ونظم المعلومات الجغرافية، ومن نواح عديدة تبدأ بطريقة التحاق الطالب فيها، مرورا بخطط القسم ذاته لمستوى أعضاء هيئة التدريس وقِدم الطرح العلمي الذي يقدمونه.

ـ تمتاز وزارة البلدية وعدد كبير من أماناتها بتطور قطاع نظم المعلومات الجغرافية وتوفر مرئيات فضائية، وقواعد بيانات متكاملة عن المدن حتى من النواحي الطبيعية كالأودية وأماكن تجمع السيول...إلخ، ويتوفر لديها بعض المختصين لإدارة هذه الأقسام، وبعض الأمانات تقوم بشراكات استشارية ومشاريع عديدة للتطوير من نظم المعلومات الجغرافية لديها.

هل هذا كاف؟ لا أبدا، وهذا يعتبر جهلا قاتلا في دور نظم المعلومات الجغرافية الذي لا يقتصر على التوزيعات وإنتاج الخرائط الصورية وإطلاق الأحكام النظرية، بل دورها الحقيقي هو المساهمة في النمذجة واتخاذ القرارات التخطيطية وإدارة الكوارث، مثلا الإدارة البيئية في تحديد النقاط المهددة بالغرق وأنسب المناطق المقترحة لعمل قنوات تصريف الأمطار...إلخ، وجود بعض هذه المعلومات عند الأمانات يعد أمرا جيدا، ولكن ما لم تخرج لحيز التنفيذ يعد هباء منثورا وعملا لا قيمة له، وهو مضيعة للجهد وللمال الذي أنفق للحصول على هذه النتائج من الشركات المختصة، وعدم توفر مثل هذه المعلومات لدى الأمانات والبلديات يعد جهلا منقطع النظير. يا ترى كيف يتم التخطيط فيها؟ غالبا يتم خبط عشواء.

تباطؤ وقصور الجهات المسؤولة وتجاهلها أو جهلها يؤدي لكوارث أشد قوة وتأثيرا.