غلاف وقرطاس وقارورة وقشور

الأربعاء - 15 فبراير 2017

Wed - 15 Feb 2017

لم تفاجئني ردود البعض السلبية عندما سألتهم عبر مجموعات الواتس اب ما إن كانوا ليوافقوا على تزويج بناتهم بلقيط مجهول الأبوين.



مع ذلك فقد كان لعنصر المفاجأة حضور قوي على ساحة النقاش، ليس فقط لأن ذوي الردود السلبية هم أنفسهم من تداولوا مقطع فيديو لشخص مجهول الأبوين يروي معاناته وسط «مجتمع الفضيلة»، وهم أنفسهم من علقوا على المقطع بعبارات الأسى والحزن والتعاطف والتواصي بالرحمة على مثل هؤلاء، بل إن بعضهم لم يتوانوا في محاولة إسباغ صفة شرعية على تمييزهم العرقي والقبلي ضد تلك الفئة المغلوبة على أمرها والمتفوقة عليهم إنسانيا على أقل تقدير. ولأن «بعض» مقدسي القشور يشعرون بشيء من الذنب على انتقاصهم لبعض فئات المجتمع قياسا على ظاهرهم، فهم ينشدون تخفيف ذلك الإحساس بالذنب بالبحث عن أدلة شرعية من هنا ومن هناك تعزز ذلك التمييز وتخمد ذلك الذنب والأهم تقتل قضية من يعترض على حكمهم الجائر ليحاصروك بعبارة: هل تعترض على حكم الله؟

بل اعتراضي هو على حكمكم لا حكم الله الذي يقول إن أكرمكم عند الله أتقاكم، والتقوى مكانها القلب وليس الظاهر من لون أو وصف أو اسم قبيلة.



ولأن مجموعات الواتس اب ليست مكانا مثاليا لقياس التوجه الاجتماعي، خاصة وأن هناك أغلبية صامتة وغير مشاركة لا بالإيجاب ولا بالسلب، وقد يخجل البعض من التعبير عن بعض آرائهم بهوياتهم المعروفة، فقد انتابني الفضول لقياس مدى التعاطف الاجتماعي المزعوم تجاه مجهولي الأبوين بعد أن وصلني نفس المقطع على مجموعات عدة، كما وصلتني بين الردود الإيجابية المتواضعة نفس الردود السلبية والتي يفضل أصحابها تسميتها بـ «واقعية» عندما طرحت عليهم ذات السؤال أعلاه. فعمدت الى طرح استفتاء «مجهول الهوية» بإجابتين قصيرتين (نعم أو لا) على تويتر ليحفز الناس للإجابة عليه بشفافية وأريحية.



هنا أتت الإجابة صادمة من مجتمع «يدعي» الفضيلة والرحمة والإيمان بـ «ولا تزر وازرة وزر أخرى». فمن بين 630 صوتا 49% أجابوا بالنفي.

متى أصبحنا مجتمعا يهتم بغلاف الكتاب لا محتواه، ويجذبه قرطاس الحلوى «المرأة» لا لبها. متى صدقت المرأة أن قيمتها في كونها ستارة بيت أو حلوى بقرطاسها أو قارورة كوكاكولا محكمة الغطاء. هل نعي أن البيت لا تسقط قيمته هللة لو سقطت ستائره، وأن من شبهوا نساء المجتمع بالحلوى شبهوا أنفسهم بالحشرات التي تتغذى على الحلوى في حال انتزع قرطاسها، وأن النساء أكثر من مجرد قوارير متشابهة من مشروب غازي يشتريها الرجل ويفتحها ليشرب محتواها ثم يرميها في سلة المهملات بينما يمضي الشارب «أبوالشوارب» في طريقه غير مبال وغير مأثوم. هل وصلت بنا الحال إلى تسمية الخطأ صوابا، فقط لكي نجامل سطحية وعنصرية النصف الآخر ولا نصبح منبوذين؟ حتى لا نصبح منبوذين بدورنا ننبذ من لا ذنب لهم؟ ألم يتخل عن اللقيط أبواه بسببنا ولأننا حكمنا عليهما بالإعدام؟ أفنقتل القتيل ثم نمشي في جنازته؟ ما لكم كيف تحكمون!

متى أصبحنا مجتمع الغلاف والقرطاس والقارورة والقشور؟



ختم مجهول الأبوين حديثه الذي يفطر القلب لمن له قلب وليس قشرة قلب. قال «أكملت تعليمي بصعوبة وعملت وأثبت جدارتي كأي فرد آخر، متجاوزا صعوبات الحرمان من دعم الأبوين العاطفي والمادي ونظرة المجتمع، والآن بقي أن أكون أسرة» ثم اختنق بطموحه البسيط وبكى. أعلم لماذا اختنق بكلماته ولماذا بكى وآسف على ما أعلمه، وليعلم أنه لو كانت لي ابنة ورغبت به زوجا لما التفت لنظرة مجتمع قاصرة ولشجعت ابنتي على أن تغير ذلك المنكر «الحقيقي» بيدها وبلسانها وبقلبها وأن تكسر بكل قوتها سلسلة الظلم الاجتماعي بدل أن تكون حلقة أخرى فيها تقويها وتغذيها وأن تكون في سبيل ذلك الإنسانية دليلها والعدل ضوؤها وأن لا تبحث أبعد من ذلك.



[email protected]