مرزوق تنباك

شعارات القرن الماضي

الثلاثاء - 14 فبراير 2017

Tue - 14 Feb 2017

مرت الأمة العربية في العصر الحديث بأطوار وتغيرات مثيرة ومحن كبيرة، بل لعل ما وصلت إليه الحال اليوم هو نتيجة لتلك المرحلة ولو عدنا إلى الوراء ستين سنة مضت ثم نظرنا إلى ما وصل إليه الحال اليوم لسهل ربط المقدمات بالنتائج. في الأسطر التالية سنحقب أهم ما مر في التاريخ القريب حتى ولو على عجل:



في حقبة الستينيات من القرن الماضي كانت قومية عبدالناصر أشهر مرحلة تركت أثرها في التاريخ الحديث وكان شعارها وأغنية العرب فيها من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، لعبت هذه الدعوة على العواطف وصفق لها الناس ورقصت لها الجموع الغفيرة في مشرق البلاد ومغربها حتى من لم يكن ناصريا كان يحلم بأمة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج، أحسن جمال عبدالناصر الضرب على دف هذا الحلم العربي الخادع، ولعبت وسائله دورا كبيرا في تجسيد أحلامها في شخص الرئيس، لكن طغيانه وتفرده وسطوة إعلامه جعل العقلاء من العرب - وهم قليل - يبغضون الناصرية والناصريين ويشكون في نجاحها وأهدافها ومضامين دعوتها، رغم ما كانت تحمله من أمل الوحدة العربية الذي لا يختلفون عليه في ذلك الوقت، وسبب شكهم وريبتهم أن الجبروت والطغيان والتفرد لا يجمع أمة ولا تنتصر به جماعة، وكانت هزيمة 67 نهاية قاسية ومرعبة لأصدقاء الناصرية وأعدائها على حد سواء.



في حقبة السبعينيات من القرن نفسه بزغ فجر البعث العربي تحت شعار جذاب رائع، مرادف لشعار الناصرية أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، كان هو الآخر مطلبا براقا تتراقص عند سماعه أفئدة العرب، وتمتد أعناقهم إلى مستقبل يجمع كلمتهم ويوحد صفوفهم وليس أقرب إلى نفوسهم من عروبتهم ورسالتهم الخالدة، ولم يلبث هذا الشعار أن تكشف عن الوجه القبيح لدعاته حيث تجسد الاستبداد والقتل، وكانت حصيلته الطبيعية نهاية قاسية لكل دعوات البعث والبعثيين، أفسد الشعار وبغضه إلى الناس تصرفات قياداته وزعمائه القتلة، ولم يلبث أن أدرك المعجبون به أنهم أسرى حبهم الأعمى الذي قادهم إلى هوة عميقة من التسلط والطغيان، وحول الأقطار التي وقعت في قبضته إلى سجن كبير، كان صدام حسن وحافظ الأسد حصيلة هذا الحلم المرعب، وسيسجل التاريخ جرائمهم وسطوة القتل في أيديهم إلى ما شاء الله أن يسجل، وسيكون تاريخ زعماء البعث الذين أوصلهم شعار الأمة الواحدة إلى كرسي القيادة نقطة سوداء لا يمحو سوادها قابل الأيام. بغض القتل والكبت الدعوة إلى البعث ونفر الناس منها ولم يبق له نصير. وانتهى إلى مأساة العصر الحاضر عندما تسببت أطماع صدام حسين في هزيمة العرب التي لم يواجهوا مثلها في تاريخهم،وعلى هامش هذه الحقبة لن يمر أحد مرور الكرام على جنون القذافي ونبوءاته وإن كان شر القذافي على جزء من بسيط من الوطن العربي، ولكنه أضحك العرب وهم في أشد الحاجة إلى ما يضحكهم في مأساتهم الكبرى، رغم أن واقعهم كله ملهاة مضحكة وشر البلية ما يضحك.



في حقبة الثمانينيات صار ثالث الأثافي شعار الإسلام هو الحل وكأنه جاء جوابا على فشل ما سبق من أيديولوجيات وشعارات، فالعودة إلى الإسلام والتماس الحل به هو الحلم الممكن بعد أن تحقق إفلاس القومية والبعثية، وهو شعار لا يقل جاذبية وقبولا عن سابقيه فعدالة الإسلام وروعة التعلق به هي الحلم الأقوى الذي يطمح إليه كل مسلم وقد أحسن تأويل حلم العدل والحل الإسلامويون فكانت الاستجابة أكثر شعبية وإغراء، والأبواب أوسع مدخلا، والاعتراض عليه قليلا، وكيف يعترض أحد عدالة الإسلام وحله لشؤون الناس، كان شعار الإسلام هو الحل أقوى الشعارات وأكثرها قبولا لكنه كسابقيه حوله دعاته إلى أغراض شخصية ومطامع سياسية، ونمت في أحشاء هذا الشعار الطائفية البغيضة وانقسم المسلمون إلى طرق ومذاهب وعصابات يقتل بعضها بعضا ويكفر بعضها بعضا وانتهت إلى ما نراه من الحروب والاختلافات والتشتت.



[email protected]