عبدالعزيز الخضر

لماذا يختلف العقار عن غيره؟

الاحد - 12 فبراير 2017

Sun - 12 Feb 2017

عندما يكون الحديث عن العقار فإننا لا نتكلم عن مجال استثماري محدود يمكن وضع تصورات دقيقة له، ومع ذلك تتعامل معه كثير من التصاريح الصحفية والكتابات بخفة، وكأنها تتكلم عن شيء يتأثر بسهولة بأي قرار وأوامر من جهات معينة، وقابل للتحكم فيه من قبل مجموعة عقاريين وسماسرة فضلا عن كاتب أو مغرد.



الحديث الإعلامي عن العقار منذ عام 2005 صاحبه الكثير من الأوهام ودغدغة العواطف مع صعود كتابات تتكسب جماهيريا من هذه اللغة، وتوهمت خلال أكثر من عقد بأن الوعود وانتظار القرارات السحرية ستحل مشكلة السكن، وما زالت هذه الأصوات مستمرة في صناعة الأوهام للمواطن.



أهم سمة تميز العقار هي البطء وصعوبة التأثر بالمتغيرات، والسمة الثانية أن العقار ليس كتلة واحدة، ولهذا تفشل الكثير من التوقعات، والسمة الثالثة أنه الأقل تأثرا بالدعايات والإرجاف مقارنة بأي مجال آخر، لأنه سوق ضخمة جدا بمساحة البلد وعدد سكانه.



يمكن رؤية العقار من خلال ثلاثة مجالات وإلا سيتحول الحديث عنه إلى فوضى كلامية لا معنى لها، وجميعها تعتمد على متغير أساس وهو الموقع والمدينة، فأولا: هناك سوق لكل مكان وموقع وشارع بغض النظر عن متغيرات الاقتصاد الكلية، بحيث تحدث طفرات ونمو كبير في أماكن معينة حتى وإن كان السوق العام راكدا، وأمثلته أكثر من أن تحصى، وهنا يأتي دور الخبرة والقدرة على تحديد الطفرة المتوقعة للمكان بناء على معطيات معينة، فمثلا طفرة العقار بمكة والمدينة التي تعيش قمتها اليوم بأرقام فلكية، مقارنة بوضعها قبل منتصف الثمانينات الميلادية جاءت بعد اتجاه كبير من الدولة للحرمين بتوسعات متنوعة وطرق، امتد خلال ثلاثة عقود، حتى في فترات الركود قبل طفرة النفط الأخيرة.



لكل سلعة تاريخ سعري ومراحل صعود وهبوط، وغالبا الهبوط لا يعود لأقل أو مثل السعر السابق، إلا في سوق الخضار أو المجال المتطور كالتقنية أو الذي تنتهي صلاحيته بزمن معين. بالنسبة للعقار من أخطاء الكتاب والصحافة تناوله وكأنه شيء موحد، والتعامل معه وكأن نسب الارتفاع والانخفاض واحدة لكل المواقع والأحياء والمدن والشوارع، ولهذا إعطاء نسب عامة لكل الأراضي في المملكة والعقارات لا يعبر عن الواقع. فمشكلة المدن الكبرى المكتظة بالسكان تختلف عن مشكلة مدن صغيرة وقرى، فما زال النمو بالمدن الكبرى أكبر بكثير من الصغيرة، وبالتالي يستطيع العقار أن يحافظ على رهانات استثمارية أعلى.



ثانيا: النمو الاستثنائي بسبب خبر أو وجود شبكة طرق وقطارات وهذا يحدث أيضا بصورة مستمرة، ومستقل عن المتغيرات العامة.



ثالثا: هناك السوق المضاربي وهو مجال خاص في المخططات البعيدة والصحراء، والتي يصعب التوقع المستقبلي فيها ومتى ستنمو، فقد تحتاج عشر سنوات إلى أربعين سنة، وهذا السوق غالبا له نموه الخاص وهبوطه وارتفاعه وتاريخه السعري، وهو أسرع من يتأثر بالاقتصاد العام، وحاجته لتوفر السيولة، وهو يشبه شركات الخشاش في العقار، وكثير من الذين يدخلون السوق هم شبه مضاربين لأنه يشتري بنية البيع بسعر أعلى وقد يحدث فيه ارتفاعات سريعة، ليس الضعف وإنما عدة أضعاف، وأيضا هبوطه سيكون بالقدر نفسه، ويتعلق فيه كثير من المستثمرين. كما يتعلق غيره بسوق المال.



لقد فشلت كل رهانات التبشير بانهيار العقار على طريقة أمثال الكاتب عبدالحميد العمري الذي أصبح يتعامل مع قضية اقتصادية وكأنها مباراة رياضية بين فريقين، وتوهم بأنه قائد الحملة النفسية لتدمير العقاريين والهوامير، وبعض الأقلام الأخرى معه، دون استحضار أنه لا يتحدث عن سوق أسهم يمكن تحديد واستيعاب حجم المضاربات والمضاربين ونوع القطاع، والحديث عن أي هبوط بنوع من التهريج يعبر عن سطحية اقتصادية، فلا يوجد مجال لا يحدث فيه هبوط وارتفاع، لكن العقار دائما يؤكد خصوصيته، فهو ليس سلعة محددة مثل الذهب وغيره، وإنما سوق تتنوع بعدد المواقع في كل هذه المساحات الشاسعة من المملكة، وحتى أرقام الإحصاءات الرسمية التي تصدر لا تعبر بدقة عن الواقع، حيث كشفت هيئة الإحصاء قبل فترة عن أن الرقم القياسي لأسعار العقارات يفيد بتراجع في مستوى أسعار العقارات في المملكة لعام 2016؛ مقارنة بـ 2015 و2014. وقد سجل المؤشر في 2016 انخفاضا بلغت نسبته 6.1 % مقارنة بـ 2015، في حين كان الانخفاض بنسبة 8.5 % عن 2014.



هذه الانخفاضات تبدو متواضعة رقميا قياسا لحجم التضخم الذي حصل خلال أكثر من عقد، وقياسا على التبشير بالانخفاضات الكبرى، وبالتأكيد أن السوق التي في القسم الثالث الذي أشرت له سيتأثر بصورة أكبر من هذه النسب المعلنة.



الواقع في كل مرة يؤكد فشل التوقعات، وأن ركود السوق هذه المرة متزامن مع ترقب ركود اقتصادي عام، وانخفاض السيولة، وليس مثل ما حدث في انهيار سوق الأسهم عام 2006، حيث انهار السوق لوحده والاقتصاد والنفط بعافيتهما.



واليوم مع كثرة المتغيرات والقرارات الاقتصادية خلال هذه الفترة، فإن المجال العقاري يتوقع أن يكون مرة أخرى أكثر أمانا للسيولة من مشاريع تجارية وشركات تعيش القلق ومحاصرة برسوم، وشبح الخسائر وصعوبة الإدارة، فكيف يفرط العقاري المحترف بعقاره وهو لا يجد البديل المناسب حتى الآن!؟



[email protected]