فايع آل مشيرة عسيري

الفرة وين..؟!

الخميس - 09 فبراير 2017

Thu - 09 Feb 2017

لعل صوت ذاك المطرب الشعبي الركيك والمليء بالنتوءات التي لا يصلحها دهر الموسيقى ولا زرياب المحسنات الصوتية وهو يردد بصوته المخنوق أغنية فنان العرب: وينك يا درب المحبة، هل أغفلوك الحبايب؟ عن طريق ما يعرف بالشيلات الضائعة في تلك الدروب الغنائية المليئة بالكلمة واللحن والموسيقى والصوت، فليس المكان هنا للمقارنة الظالمة مع تلك الشيلة التي أفقدت القصيدة جمالياتها وبعدها الفني الكبير.

شيلة يعلوها صراخ عابث فتأخذ منحى الهياط الفني وقد كتمت على أنفاس ركاب سيارة من نوع «ددسن» ضاقت بهم نفوسهم حتى تظن أنك في موسم نقل حجاج التهريب سابقا ومع وينك يا درب؟ وكأنه يقصد بهذا الدرب البعيد عن المحبة ظاهرة «الدرباوية» القديمة الحديثة، إذ إنها ليست دخيلة جديدة كما يقال أو يشاع عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإن تقادم بها الزمان والمكان، فالدرباوية هي امتداد لمسميات قديمة على منوال العربجية والزواحف والشقردية... إلخ.

وما دام أننا قد وصلنا لمن يطلقون عليهم «الدرباوية» فهي باختصار كل الدروب الضائعة منهم والتي تعود نسبتها لمنتدى الكتروني يتابع بدقة أخبار المفحطين ويمد متابعيه بكل جديد في عالم «الدرباوية» وأكثرهم من المراهقين الباحثين عن الشهرة والظهور لأجل الظهور حتى ولو وصل بهم المقام لتتبع طريق الدرباوية حذو الخطوة بالخطوة والذين يقومون بتغيير معالم السيارات ويصبغونها بالألوان وعبارات التسطيح الذي يصل للتسميج والابتذال، يمتطون تلك السيارات بتهور عجيب وبقيادة رعناء في ظل تشجيع وتعزيز منقطع النظير ممن يتابعهم ويعجب بهم ليخطوا خطواتهم في ذات الدروب المليئة بالتيه، بداية بتلك الملابس الرثة البالية والقديمة وتلك الأشمغة المهترئة المقززة ذات الألوان الباهتة.

وتستمر لغة الإعجاب الأعرج برموز وألقاب تجر ذاك الدرباوي المفحط لدخول الشوارع الرئيسية وتحويل طريق المارة لمسرح من الفوضى والبلطجية التي تتخذ من انفجار إطاراتها الخروج المنتصر على ذاته المنكسرة في ظلام الصراعات النفسية، ظنا منه بأنه كسب رضا المتجمهرين بالتصفيق الحار والتصفير والهتاف بذاك اللقب المزعوم مع حرص ذاك الدرباوي على تركيب إطارات منتهية الصلاحية حتى ينجح في كسب رضا الجمهور المراهق الذي كثيرا ما كان ضحية لتلك الشلة الدرباوية ومشروبهم الرمزي الغازي!

الدرباوية ظاهرة تجاوزت نطاق الحارات والأرصفة المجهضة بالبطالة والجدران المتصدعة بعبارات «الحب عذاب» والزعيم وسيد الكل والكنج، والقطط المتشردة الجائعة ربما تعطيك شيئا من الإيحـاء الدرباوي وأضحت تنافس وبشدة على طرق رئيسة مسببة الخوف والذعر للناس في أماكن عامة وطرق سريعة ومسببة خللا مروريا واضحا فاضحا قد يحدث ما لا يحمد عقباه، كل ذلك وأكثر بسبب فراغ نفسي نتيجة تهميش واضح من المجتمع فيصر على إثبات وجوده وتميزه بسلوكيات خاطئة مشينة وأولها المخدرات والأفكار المضللة، وبؤرة الفساد الأولى لهتك الفضيلة وتمزيق القيم والمبادئ والوحشية وقتل الإنسانية وحب الانتقام، وما هي إلا عودة لمقتنياتهم لتجد الكثير من الأدوات العدائية وأغلبها من السلاح الأبيض وما خفي كان أعظم.

ولعل الدرباوية باتت ظاهرة سلوكية مشاهدة عيانا جهارا أمام الملأ فمن يعيش أجواء الصيف أو الشتاء في وطننا الغالي يدرك تواجدهم اللامسؤول وبطريقة فيهـا الكثير من التبجح والقبح، وقد أحدثوا الكثير من السلبية التي يلمسها المقيم قبل الزائر من داخل وخارج الوطن، مما يعكس صورة سيئة للسياحة الداخلية وقد أوجدوا مكانة لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي الدرباوي من خلال ما يعرف بـ»الفرة « و»التغبيرة» و»التلميع» و»التطعيس» و»التحجير» ومسميات تتجدد بتجدد تقليعاتهم وأقنعتهم المزيفة!

ظاهرة الدرباوية مؤشر تخلف واختلال مجتمعي يعاني من حالة توهان مستمـرة وحالة تصدع دائمة.

ومضة: هذه الظاهرة التي قد تعرض صاحبها الدرباوي للخطورة الموغلة في طريق الموت في ظل انفلات أسري ورفقاء سوء ومراهقين عابثين لا يدركون معنى الحياة.