هل تعمل في وظيفة عديمة الفائدة؟

الخميس - 09 فبراير 2017

Thu - 09 Feb 2017

كلما ننظر إلى منظومة الحياة عن بعد نلاحظ أنها تزيد في ابتكار وظائف جديدة دون أن يكون لها حاجة حقيقية، وما يفسر ذلك أحيانا مقولة "الحاجة أم الاختراع"، ولولا هذه الحاجة الماسة للأعمال لما نتجت هذه المسميات الوظيفية مؤخرا.



ويؤكد هذا ما نشره موقع "Evonomics" عن أن الرأسمالية باعتبارها السبب الرئيس في ذلك، إذ إنه عام 1930 تنبأ الاقتصادي الإنجليزي "جون مينارد كينز" أنه بنهاية القرن الـ20 سنشهد تقدما تكنولوجيا يجعلنا لا نعمل سوى 15 ساعة أسبوعيا.



هذا أظهر أنه توجد وظائف لا فائدة منها، وشرح "ديفيد جريبر" عالم الأنثروبولوجي بكلية لندن للاقتصاد نظام العمل الحالي، موضحا كيف يتحكم به أصحاب الثروة والسلطة.



وتساءل "جريبر" عن الوظائف الجديدة بسبب التقدم التكنولوجي، من خلال التقرير الصادر من الولايات المتحدة الذي يقارن بين العمالة بين عامي 1910م، و2000م، والذي أوضح أن عدد العاملين في قطاعي الصناعة والزراعة انخفض بشكل كبير، بالمقابل تضاعف عدد العاملين في وظائف إدارية وكتابية والعاملين في المبيعات والخدمات ثلاثة أضعاف، فأصبحوا يمثلون ثلاثة أرباع إجمالي العمالة.



هذا يعني أن الماكينة احتلت الوظائف المنتِجة بشكل كبير، على الرغم من وجود أعداد كبيرة من العاملين في الصناعة، خاصة في دول مثل الصين والهند، إلا أن نسبة الأعداد إلى إجمالي سكان العالم انخفضت عما كانت عليه من قبل.



يحلل "جربير" الأمر ويقول "إنه بدلا من خفض ساعات العمل والسماح للعاملين بحرية أكبر، شهد القطاع زيادة في أعداد العاملين في قطاع الخدمات وفي القطاع الإداري، وأصبحت هناك مجالات عمل جديدة، مثل: الخدمات المالية والتسويق عبر الهاتف، وأصبح هناك توسع غير مسبوق في قطاعات الإدارة الأكاديمية والصحية، والموارد البشرية، والعلاقات العامة".



وأضاف جريبر "إن ظهور وظائف بسبب قضاء الناس أوقاتا طويلة في العمل مثل توصيل الطعام، أو رعاية الحيوان غير مفهوم في الأنظمة الرأسمالية، حيث إن الدول الاشتراكية القديمة، مثل الاتحاد السوفيتي، تعد العمل أمرا مقدسا، لذلك كان من المنطقي أن يوجد كثير من الوظائف عديمة الفائدة، لكن من المفترض ألا تتواجد مثل تلك الوظائف في الأنظمة الرأسمالية؛ إذ إنه لا توجد شركة هادفة للربح تدفع الأموال لعاملين ليست بحاجة إليهم".



على الرغم من ذلك فإن هذه الوظائف موجودةن فعندما تقلص الشركات الموظفين فإن ذلك لا يستثني بعض العاملين، لأنه غالبا يقع الاختيار على الأشخاص الذين لهم دور مهم في الإنتاج، بينما تزداد أعداد من يعملون في وظائف كتابية.



الموظفون في مهام مكتبية لا يعملون لمدة 40 أو 50 ساعة أسبوعيا كما كان الحال في الاتحاد السوفيتي، إنما يعملون بشكل فعال لمدة 15 ساعة فقط، بينما يضيع ما تبقى من وقتهم في تنظيم ندوات تحفيزية أو حضورها، أو حتى على تحديث صفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي.



يرى "جربير" أن المشكلة ليست اقتصادية، بل سياسية وأخلاقية، فقد توصلت الطبقة المتنفذة إلى أن توفر وقت فراغ لدى الشعب يشكل خطورة كبرى عليه. لذلك أيدت الحكومات فكرة أن العمل في حد ذاته قيمة أخلاقية، وأن الإنسان الذي لا يسخر كل ما في طاقاته وإمكاناته من أجل عمل يقضي فيه أغلب وقته لا يستحق أن ينال أي شيء.



لا يمكن أن يكون هناك مقياس موضوعي للقيمة الاجتماعية لكل وظيفة، لذلك قد يرى البعض أن إصداره الأحكام على بعض الوظائف بأنها غير مهمة أمر غير صائب.

والسؤال هو: ماذا عن هؤلاء الذين يرون أن الوظائف التي يعملون فيها بلا فائدة؟

للإجابة عنهذا السؤال، يروي "جربير" قصة، يقول فيها إنه التقى بصديق له من المدرسة لم يلتق به منذ أن كان عمره 12 عاما.



عمل صديقه كشاعر، ثم مغنيا في فرقة موسيقية، وكانت أغانيه رائعة ومبتكرة، وكان عمله سببا في إسعاد الناس حول العالم، لكن بعدما فشلت بضعة ألبومات للفرقة خسر وظيفته وتراكمت الديون عليه، فاتجه لدراسة القانون وعمل محاميا لإحدى الشركات.



هذا الشخص يعترف بأن وظيفته عديمة الفائدة تماما، ويرى أنه يجب ألا يكون لها وجود في الواقع. ثم اتجه "جربير" إلى القول إنه إذا كان نحو 1% فقط من سكان العالم يسيطرون على الثروات، فإن سوق العمل يعكس ما يعتقد هؤلاء الأشخاص أنه مهم وليس أي شخص آخر، والمهم أن أغلب الناس في هذه الوظائف يعلمون أنها غير مفيدة.



ويمكنك أن تلاحظ مدى الاستياء ضد عمال قطارات الأنفاق في لندن، لأن احتجاجاتهم تتسبب في شل الحركة في المدينة. في الواقع هؤلاء العمال يستطيعون شل الحركة وهذا يعني أن عملهم ضروري.



على سبيل المثال يظهر الجمهوريون في الولايات المتحدة سخطا وحقدا تجاه معلمي المدارس ـ وليس إداريي المدارس - بسبب الأجور والمزايا الضخمة التي يحصلون عليها، من وجهة نظرهم.



وإذا كان هناك شخص قد صمم نظام العمل بالشكل الحالي من أجل سيطرة أصحاب رؤوس المال، فالأمر ناجح. في المقابل، يتم إهمال الطبقة العاملة المنتجة واستغلالها.



أما البقية، فهم إما عاطلون عن العمل أو يحصلون على أجر مقابل العمل في وظائف عديمة الفائدة، لكنها تجعلهم يشاركون الطبقة المتنفذة في آرائها، وتعزز سخطها ضد أي شخص يقوم بعمل له قيمة اجتماعية واضحة لا يمكن إنكارها.



هذا النظام لم يصمم بشكل واع، لكنه يفسر لنا لماذا لا نعمل ثلاث أو أربع ساعات يوميا بالرغم من التقدم التكنولوجي الذي لدينا.