السهر مفيد في التخلص من الاكتئاب

الخميس - 09 فبراير 2017

Thu - 09 Feb 2017

يحاول بعض الاختصاصيين أحيانا العمل على طرائق مختلفة جذريا لإثبات أمر ما، مثل "لويزا جيه" حين حاولت مساعدة مرضى الاكتئاب على التغلب عليه ببقائهم مستيقظين لبضعة أيام، رغم أنه من المتعارف عليه أن الأرق هو أحد عوارض الاكتئاب المزمن، ولكن الالتزام بخطة علاج ناجحة قد يساعدك على التخلص من الاكتئاب سريعا.



كتبت "لويزا جيه ستاينبرج" عبر موقع Scientific American دراسة أجرتها على بعض المرضى الذين يعانون من مرض الاكتئاب، والتي ساعدت على شفائهم بنجاح، وذكر الموقع فيها قصة يرويها طبيب عن رحلة علاج مريضته.



"لا بد أنك تمزحين أيتها الطبيبة، فأنا بالكاد أستطيع إبقاء عيني مفتوحتين، وأنت تريدينني أن أقضي الليل بطوله مستيقظة".

ارتسمت ابتسامة على وجهي وقلت لها: "نعم، بالضبط، بل وربما لليلتين أو ثلاث".



"جودي" ليس الاسم الحقيقي للمريضة، والتي كانت تعاني من ضغوطات العمل المتزايدة التي لم تجد لها الوقت الكافي لحلها، وما بين الأعمال المنزلية الملقاة على عاتقها أثناء سفر زوجها للرحلات.



لذلك لم تجد الوقت الكافي للاهتمام بنفسها، وكانت هذه بداية رحلتها مع الاكتئاب. ونظرا لضيق الوقت، بدأت "جودي" تهمل بعض الطقوس المعتادة للعناية بالنفس: مثل تناول الطعام الصحي، وممارسة التمرينات الرياضية، والاسترخاء لبعض الوقت، لذا لم يكن من المستغرب أن تسوء حالتها المزاجية مع الوقت.



وسرعان ما تدهورت الأمور إلى الأسوأ، "جودي" لم تعد تستمتع بالأمور اليومية التي كانت تستمتع بها مسبقا كقراءة القصص مع أطفالها، ومحادثة والدتها عبر الهاتف، وقراءة الكتب. وعلى الرغم من شعورها بالإرهاق الشديد لم تكن تستطيع الخلود إلى النوم أثناء الليل، وبالكاد كانت تغادر سريرها في اليوم التالي للذهاب إلى العمل.



مرت "جودي" بهذه الأعراض مسبقا، فكانت تعلم أن أعراض الاكتئاب بدأت تعاودها مجددا، فقد عانت مرتين من هذا المرض مسبقا. كانت المرة الأولى عندما كانت طالبة بالجامعة، والمرة الثانية كانت وهي في العقد الثاني من عمرها بعد انتهاء علاقة عاطفية.



"جودي" الآن في عقدها الثالث من العمر، ويمكن القول بأنها طوال السنوات الفائتة كانت تتناول مضادات الاكتئاب، ومع ذلك لم تكن تنجوا من هذا المرض، فأفكارها كانت متمركزة على الذكريات واللحظات التعيسة التي مرت بها في حياتها، فلم تكن تستطيع التركيز في أي شيء آخر.

عندما أتت لزيارتي في المرة الأولى لمساعدتها كوني طبيبا مختصا، أيقنت بأنها تعاني من اكتئاب حاد مزمن. ولكن من الجيد القول بأنها لم تصل لتلك المرحلة التي يمكن أن تؤذي فيها نفسها.



لأنها كانت محاطة بعائلتها وأصدقائها الذين كان يحاولون مساعدتها لإخراجها من حالتها النفسية، فلم تكن هناك الحاجة التي تستدعي دخولها إلى المستشفى. وصفت لها بعضا من أدوية مضادات الاكتئاب على الفور.



لم تكن "جودي" متحمسة للبدء بالعلاج، فهي تعرف أن مثل هذه الأدوية تستغرق على الأقل من أربعة إلى ستة أسابيع حتى تظهر نتيجتها، ولكن لم يكن لديها الخيار لترفض ذلك لأنها كانت تريد الخروج من دائرة الاكتئاب بأي طريقة.



كانت هناك طريقة واحدة أعتقد بأنها فعالة، اقترحتها على جودي قائلا "ما رأيك بالبقاء مستيقظة لبعض من الوقت؟".

أجابت جودي بدهشة قائلة "لا شك بأنك تمازحني أيها الطبيب، فأنا بالكاد أستطيع إبقاء عيني مفتوحتين".

ارتسمت ابتسامة على وجهي، وأجبتها "نعم. ربما ليوم أو يومين إضافيين".



العلاجات المضادة للاكتئاب غالبا ما تكون فعالة في فترة العلاج، لكنها تستغرق بعض الوقت لإثبات فاعليتها، وفي السنوات الأخيرة ركزت الأبحاث على محاولة التوصل إلى علاجات يمكن أن تحسن حالات الاكتئاب خلال بضعة أيام عوضا عن أسابيع، على الرغم من أن ذلك ليس متوقعا في المستقبل القريب.



إلا أن العلاجات الحالية فعالة ولكن لها بعض التأثيرات الجانبية، مثل أنها قد تسبب الأرق للمريض. وفي السنوات الأخيرة أثبتت بعض تقارير الطب النفسي أن بعض العلاجات المسببة للنوم أثبتت فاعليتها في علاج حالات الاكتئاب. ولكنها لا تتناسب مع جميع المرضى، تحديدا لا تتناسب مع المرضى الكبار في السن أو المرضى الذين يعانون من نقص الإدراك مثلا.



صعوبة الخلود إلى النوم، والإعياء الشديد، وعدم التركيز هي أكبر أعراض الاكتئاب، وعادة المصابون بهذا المرض يميلون إلى النوم أثناء النهار، مما يسبب لهم صعوبة النوم أثناء الليل، وهذا ما حير العلماء في إيجاد العلاقة بين النوم والحالة المزاجية للمريض.



كل مخلوقات الأرض مهما كانت تحتاج إلى النوم، وهذا يرجع إلى الطبيعة الخلقية لجميع المخلوقات، وإلا ستتلف جميع الخلايا العصبية والحسية في الدماغ، مما سيؤدي إلى عدم انتظام النشاطات الجسمية للكائنات الحية. كما أوضحت الدراسات أن وظائف جسم الإنسان وحالته النفسية تعتمد اعتمادا كليا على النوم، لذلك هو السبب الرئيس لمرض الاكتئاب.



تتأثر الأعصاب الحسية بعوامل خارجية، ومن أهمها التعرض لأشعة الشمس. فالأعصاب ترسل إشارات فور تعرضها لضوء الشمس إلى مجموعة من الخلايا الحسية في شبكة العين، حتى بالنسبة لعين الإنسان الأعمى.



الكثير منا خاض تجربة التغير الزمني خلال السفر من بلد لآخر، وعاش تجربة الاختلاف الزمني بين المناطق. ومن الممكن أن يستغرق التكيف الزمني للشخص بضعة أيام، ولكن خلال هذه الأيام من الممكن أن نعاني من اضطرابات النوم وفقدان الشهية وتغيير الحالة المزاجية.



ويبقى السؤال: هل يمكن لضبط إيقاع هذه الدورات أن يعيد ضبط الحالة المزاجية، ومن ثم يعالج الاضطرابات المزاجية؟

في الواقع، لقد كان معروفا على مدار مئتي عام أن الحرمان من النوم يمكن أن يعالج الاكتئاب بشكل سريع. في عام 1818 قدم الطبيب النفسي الألماني "يوهان كريستيان أوجست هاينروث" وصفا لهذا الأسلوب العلاجي في كتابه الذي يحمل عنوان "كتاب اضطرابات الحياة النفسية".



ومنذ ستينات القرن الـ20، أظهرت دراسات إكلينيكية متعددة أن الحرمان من النوم ولو لليلة واحدة فقط يمكنه تخفيف الأعراض، كما سجلت ورقة بحثية نشرت في عام 2015 حدوث تحسن سريع لدى نسبة تتراوح بين 50% و80% من الأشخاص المشاركين في التجربة.



المسبب الأول لاستقرار الحالة المزاجية للفرد هو النوم، وبالتأكيد هو أهم العوامل التي يركز عليها الأطباء النفسيون خلال فترة العلاج بإعطاء أدوية تساعد على النوم عادة.



وعلاوة على ذلك، فقد أظهرت الدراسات أن البقاء مستيقظا أثناء الليل يؤثر على النشاط العصبي في جميع خلايا الدماغ تماما مثل تأثير بعض العقاقير الطبية.



بالإضافة إلى أن الدراسات التي نشرها بعض العلماء من جامعة فرايبورغ في ألمانيا وجامعة بون في ألمانيا أيضا بالإضافة إلى جامعة نابولي فيدريكو في إيطاليا وبعض المعاهد الصحية التي اكتشفت أن آثار الحرمان من النوم وبعض مضادات الاكتئاب، مثل: الكيتامين، لها التأثير الجزئي نفسه على المستقبلات التي تقع في الفص الجبهي للمخ، والتي تؤثر في نهاية المطاف على الحالة المزاجية للشخص.



ومن المؤسف القول إن مدى تأثير الأدوية أفضل من الحرمان من النوم في حالات الاكتئاب، على الرغم من أنها قد تستغرق بضعة أسابيع.

ومع ذلك هناك وسيلة للحفاظ على فوائد هذا العلاج عبر اتباع معيار: التعرض لأشعة الشمس. وفي إحدى الدراسات جمعت بين التعرض لأشعة الشمس المباشرة والنوم الكافي.



أجرى بعض الأطباء النفسيين من جامعة فيينا بعض الدراسات على 20 مريضا من المرضى الذين يعانون من أعراض الاكتئاب، والذين يخضعون لعلاجات مضادات الاكتئاب، بالتزامن مع البقاء مستيقظين في فترة الليل والتعرض للضوء في الفترة نفسها بغض النظر عن حدة الضوء.



أظهرت نتائج اختباراتهم التي نشرت في عام 1996 أن من بين المرضى الذين استجابوا جيدا مع العلاج في تلقي الضوء الساطع يوميا مع فترة نوم محدودة تزامنا مع فترة العلاج تأثروا إيجابا مع مضادات الاكتئاب خلال فترة تجريبية مدتها سبعة أيام.



بعد الدراسات التي أجريتها أنا وزملائي الأطباء، ندرس الآن ما إذا كان باستطاعتنا الحفاظ على نتائج العلاج لأطول فترة ممكنة. لذلك عرضت على مريضتي "جودي" المشاركة في هذه الدراسة بعد الانتهاء من فترة علاجها، والتي تتضمن إبقاء فترة نومها محدودة، بمعنى أن تتبع المريضة جدولا زمنيا محددا لها بأوقات النوم لأيام محددة، وأيضا اتباع العلاج من خلال التعرض للضوء. لم تترد "جودي" في الموافقة.



التزمت جودي بخطة العلاج التي خصصت لها، ومرت بفترات طويلة مستيقظة في فترة الليل، وبعد فترة بدأت بالنوم في الأوقات التي حددت لها، وبدأت بتناول إفطارها في الصباح في منطقة مفتوحة معرضة لأشعة الشمس.



بعد أسبوع من العلاج، أخبرتني "جودي" بأنها بدأت تستجيب للعلاج بشكل ملحوظ، وأنها لم تعد تشعر بالاكتئاب، وأنها بدأت في العودة إلى العمل، وأصبحت تتعامل مع الضغوط اليومية بطريقة إيجابية وبشكل ناجح.



واصلنا العمل على الالتزام بخطة العلاج سويا، وخلال بضعة أسابيع استعادت "جودي" حيويتها مجددا، وفي الوقت المناسب جدا للاحتفال بالعيد.