عبدالله الجنيد

ظل المسرح

الأربعاء - 08 فبراير 2017

Wed - 08 Feb 2017

يبقى الإنسان العربي موزعا بين الواقع والافتراض، من رؤى المستقبل إلى مفهوم محاربة الإرهاب فقط، لأن مساحات الظل تتسيد المسرح. للظل حيز في الواقع كما في الكوميديا الإلهية لدانتي، فدانتي لم يتطاول على الآلهة، بل المفاهيم البشرية التي تصاغ لتسهيل تسخير البشر في خدمة أهداف آخرين عبر تضخيم مساحات الظل فتحوله غيلان وملائكة. وإليكم قصة قصيرة أتمنى أن تستحسنوها للتدليل لا أكثر:



قرر حشاش أن يبدأ الاستمتاع بما تعرضه القنوات الفضائية من متع وتسال، لكنه احتار في مسألة إبقاء الأمر سرا خالصا له بعد تركيب الطبق اللاقط فوق سطح البيت فيضايقه إخوته الحشاشون، لذلك قرر أن يختلق قصة مستعينا بالوضع الأمني للحي الذي يسكنونه، فما كان منه إلا الدعوة لاجتماع عاجل لأهل البيت ليقول “اسمعوا، لقد قررت أن اشتري كلب حراسة شرسا وأسكنه سطح البيت لحمايتنا، وإياكم والذهاب للسطح لتسلموا من شراسته، فأنا الوحيد الذي يسمح له بإطعامه”. اقتنع الإخوة الحشاشون على مضض، استئثارا للسلامة، إلا أنهم في أحد الأيام قرروا انتداب أحدهم لاستطلاع حقيقة الأمر على سطح الدار، فوقع خيارهم على أكثرهم لياقة للقيام بذلك. وما هي إلا لحظات حتى عاد ذلك الأخ لاهثا منقطع النفس، فسألوه “ماذا حدث، هل هاجمك الكلب؟!” رد الأخ المنتدب ”لا لم يهاجمني الكلب، ولكن هالني حجم الطبق الذي يأكل فيه، عندها أدركت صدق نصيحة أخينا بعدم المجازفة”.



اليوم كل القضايا لحظية بسبب الثورة المعلوماتية، فما يحدث في أي بقعة من بقاع العالم يجد له صدى في مكان آخر في غضون دقائق. وينطبق ذلك على كل قضايانا، ومثال على ذلك إعلان السعودية حملتها الوطنية لتصحيح وضع العمالة غير القانونية في 2013، والتي قد رصد لها الكثير من الموارد والوقت للتعريف بها وبأهدافها. ولم تكن السعودية الدولة الخليجية الأولى في ذلك، حيث سبقتها الكويت بإعلانها إنقاص حجم العمالة الشرعية بـ 100 ألف عامل سنويا لتصل إلى هدفها في خفض العمالة بمقدار مليون خلال عشر سنوات عبر رفع مستوى شروط الاستقدام، وذلك ما يقر الآن من قبل البرلمان الكويتي. وللإمارات والبحرين برامج أخرى موازية تصب في نفس الاتجاه من خلال تشريعات تكون أدوات في خدمة المعالجة الاستراتيجية للاختلال الديمجرافي خليجيا.



فاجتماعيا واقتصاديا نحن نعيش حالة إنكار عصبية لواقع إدماننا على تلك العمالة من خلال ثقافة “من سيقوم بما يقوم به هؤلاء”؟! والجواب بسيط، فنحن من كان يقوم بكل شيء يتعلق بنواحي حياتنا سابقا مثل باقي شعوب العالم، بما في ذلك المرأة في عموم دولنا الخليجية قبل نكبة ما سمي بالصحوة. فالمرأة كانت جزءا من المنظومة الاقتصادية لمجتمعاتنا قبل وبعد البترول.



ويحضرني هنا كتاب للمرحوم د. غازي القصيبي ARABIAN ESSAYS تناول فيه محاور عدة لو تم استدراك جلها لكنا الآن في وضع آخر من ناحية فهم ماهية التنمية البشرية استراتيجيا. كذلك لم تأل مراكز البحث الخليجية من دق نواقيس الخطر، مكررة التحذير تلو الآخر من قبل مختصين خليجيين هم أعلام في مجال تخصصاتهم من مخاطر القنبلة الديمجرافية، إلا أنه وللأسف أن حد الإدمان على تلك العمالة قد بلغ نقطة اللاعودة، ودولنا بكل قطاعاتها الحكومية والخاصة مشترك فيها على حساب مستقبل الأجيال القادمة.



للاستدلال أقدم أحد الأمثلة التي ساقها المرحوم الدكتور غازي القصيبي حول التمريض حين قال ما معناه “مع أهمية تنمية كوادر طبية وطنية في كافة التخصصات، إلا أننا كدولة يجب أن نحدد أولويات الإنفاق لتحقيق التنمية. فمثلا ما ينفق على كوادر التمريض المستقدمة يفوق أضعاف ما ينفق على الأطباء، مما يستوجب تحديد الأولويات من حيث التكاليف. ولو كان لي الآن المفاضلة في الاستثمار النوعي لتحقيق التنمية المستدامة لاخترت الاستثمار في تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية في مجال التمريض بكل فروعه، لأنه سوف يسهم في توطين مهن وتخصصات لشباب سعودي، وسيوفر في التكلفة”، إلا أن توطين المهن يتطلب أولا تحديد الحد الأدنى للأجور فورا، لأن ترددنا أكثر سيسهم في تضخم الوعاء الذي فوق سطح بيتنا.



[email protected]