بين شرعية الهجرة ومشروعية البقاء

الأربعاء - 08 فبراير 2017

Wed - 08 Feb 2017

مع كل الأخبار السلبية والمحبطة التي تصلنا عن الولايات المتحدة الأمريكية على صعيدها السياسي مؤخرا، هناك ما يتخللها من دروس إيجابية لمن يقرأ ما بين السطور.



وبالرغم من الصدمة العالمية لفوز رجل متهور مثل ترمب برئاسة ليس فقط أقوى دولة بالعالم ولكن ما عرفت بأرض الأحرار Land of the free وما اكتسبت سمعة عالمية بكونها عاصمة الحريات والمساواة ودولة القانون، إلا أننا نستطيع أن نجد بين ذلك كله مبررات منطقية لشريحة من منتخبيه الذين أحبطوا بدورهم من رئاسة من ظنوا أنهم عقلانيون من الديمقراطيين ولم يلمسوا من انتخابهم ما كانوا يصبون إليه محليا وعلى صعيد العلاقات الخارجية، وآخرون أرعبهم الإرهاب ببساطة فتمكن ترمب من استخدام تلك الأداة لدغدغة مشاعرهم.



أما الدروس الإيجابية فنراها جلية في عظمة سياسة فصل السلطات الثلاث Separation of powers: التنفيذية والتشريعية والقضائية وصدق ما يدعيه هذا النموذج الديمقراطي في حد ذاته من مثالية.

ذلك النموذج الذي يستخدم سياسة الضوابط والتوازنات وتجزئة الصلاحيات Checks and balances بحيث لا يهيمن أحد فروع الحكومة الثلاثة على صناعة القرار وفي نفس الوقت يعطي الحق لكل من الفروع في مراجعة عمل ومحاسبة الفروع الأخرى. أن يتهور الرئيس الأمريكي فيصدر قرارا بمنع دخول مواطني 7 دول ذات أكثرية مسلمة إلى الولايات المتحدة، ليصدر قاض فدرالي أمرا بتجميد قرار الرئيس موقتا حتى تنظر السلطة القضائية في مدى قانونيته وعدم تعارضه مع الدستور الأمريكي لهو أمر يستحق التحية ومن ثم التوقف والتأمل لاستسقاء العظات والعبرات منه. نموذج لا يستوجب معه القلق فاللامركزية هي قلبه وحكم الأكثرية مع حماية حقوق الأقليات والأفراد هي جهازه العصبي.



وبينما يطمح ترمب إلى إيقاف برنامج الهجرة الشرعية الذي يتيح لمليون مهاجر سنويا الاستقرار في الولايات المتحدة منذ عام 1990، يطمح معارضيه إلى مضاعفة ذلك العدد بهدف المساعدة بفعالية أكبر في مكافحة الفقر العالمي الذي يتجاوز 5 بليون إنسان حسب البنك الدولي World Bank.



وهناك رأي ثالث معتبر لصاحبه المحلل السياسي الأمريكي روي بيك والذي يرى أن المهاجرين من الفقراء يشكلون الفئة الأفضل والأكثر تعليما، وبالتالي الأكثر إحباطا من ظروف أوطانهم المعيشية، ولذلك فالخيار الأنسب لمساعدة الدول النامية يكمن في تمكين تلك الفئة داخل أوطانها حتى تنهض أوطانهم بهم عوضا عن تهجيرهم منها فقط لتستبدلهم أوطانهم بفقراء جدد. من ناحية تدعم هذه الرؤية توجهات ترمب ومن ناحية أخرى فهي تحكم بالإعدام على حرية تقرير المصير وعلى من طموحهم أكبر من أن تدعمه حكوماتهم. كذلك تغفل الرؤية عن جوانب مثل سيادة الدول وفساد بعض تلك الحكومات وصدها للدعم الخارجي المفترض للأفراد أو تلاعبها به.



وبين شرعية الهجرة ومشروعية البقاء، وبين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة أمور متشابهات والقرار الفصل للحكومات.