شاهر النهاري

أرأيتم طقوس شعب النيل

الثلاثاء - 07 فبراير 2017

Tue - 07 Feb 2017

كانت فرصة عظيمة أن يجتمع لي حضور فعاليات معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، والمشاركة في التشجيع لآخر سلسلة من مباريات كأس أفريقيا.



وكان معرض الكتاب مشابها لكثير من احتفالات هذا الشعب في الأعياد وشم النسيم والعطلات والموالد، الغائب أصحابها، حيث يتجمع عشرات الألوف منهم في مقر المعرض بنفس الروح والطبيعة البلدي المرحة المبتهجة، ليحيلوا المكتبات إلى مناطق أنشطة فنية للأطفال، ولأخذ صور السلفي للشباب، ومشاركة مواقع التواصل الاجتماعي، وتجمعات أسرية متناغمة في دوائر تحتفل بالأكل والشرب، يبتاعونه، ومما يحملونه معهم، وتنطلق أصوات الموسيقى والأناشيد الحماسية من هنا وهناك، والكل يؤكد على أن حب الثرى المصري هو أجمل الأغنيات.



وأما مباريات كأس أفريقيا فتخلق طقوسا لا تتكرر في أي بلد آخر، وشعورا متدفقا بالرغبة الأكيدة في الخروج ولو في لحظة فوز مما يواجه هذا الشعب العظيم من معضلات وتحديات.



حقيقة واحدة تجدها في كل الزوايا، وتشمها في أنفاس كل طبقات الشعب مهما اختلفت، ومهما اختلفت مادياتهم ومناصبهم، ومهما كانت أعمارهم، فهم يرسمون برمتهم أجمل صور الوطنية، وأعرق معاني الحضارة الفرعونية، التي ما زالوا يبارون بها حضارات العالم رغم ما يمرون به من حرج.



وقت المباراة تتعطل لغة الحياة المعتادة، وتلتقي الأنفس الزاهية سواسية في المجمعات التجارية، وعلى نواصي الشوارع، وفي وسط الحارات، وتمتلئ المطاعم والمقاهي بالأسر والشباب والصغار، كلهم روح واحدة تصفق، ولسان واحد يترنم، وعين واحدة تزهو، وهدفهم واحد، باستنشاق لحظة فرح، وتأكيد مشاعرهم بالوحدة، ومحبتهم لهبة النيل، ووقوفهم صفا متكاملا لإثبات أنهم سد عال في وجه كل الظروف.



تسير في منتصف الشوارع الخالية من البشر، فتسمع بركان صرخات نصر يهز جدران العمائر فرحة بتسجيل هدف.

تجلس وسطهم فتحترق بلهيب مشاعرهم، وتعرف أنهم كلهم محترفو لعب كرة، يعرفون أدق القوانين والتصريحات والتفاصيل عن لاعبيهم وعن جهازهم الفني والإداري.



حينما تبدأ المباراة تسكت كل أصوات النشاز، ويعزف الشعب سمفونيات عشقه وفخره وثقته، المتعالية مع كل تسديدة.

وتأتي ضربات الترجيح بسمفونيات تكبير وتهليل ودعاء وتضرع.



وتحين مباراة الختام، حيث أحضرها في صالة المطار الدولي عائدا لبلادي، وكنت أخشى أن تفوت كل الرحلات على كل المسافرين، حيث لا صوت يعلو هناك على صوت المباراة الحلم.



يصرخ كل من في صالات المطار صرخة رجل واحد، يصفقون بيد واحدة، يعتبون بلسان واحد، ويشتمون مع بعض!

الحضري كان أيقونتهم العتيقة، التي تبحث عن كسر رقم صعب في الأصالة والصمود والعطاء.



نشوة تكاد أن تبلغ السماء، فلا يطفئها إلا الهدف الكاميروني القاتل، وحينها ترتفع أصوات التألم والندم واللوم والحسرات لدقائق.

كل شيء اختلف، وكأنهم فجأة قد تذكروا مشاكلهم السياسية وتعويم الجنيه، وأمانيهم بتغيير الحال المعيشي.



ولكن، ورغم الهزيمة المرة، ينطلق التصفيق من الزاوية، ليلهب الحماس في أعين العثرة، فقد أدى شباب الكرة المصاروة الكثير، ولم يعد للمتفرجين إلا أن يحيوهم على فنياتهم وجهودهم، ولو أنها لم تكتمل، ولكن القادم أفضل، والأمل الفرعوني لا يموت.



تعود الرحلات لنظامها، والجباه ما تزال عالية، والرغبة الجامحة تستمر للبقاء على قمة الهرم.

هكذا هم شعب النيل العظيم.



[email protected]