أحمد الهلالي

تكريم الجنادرية واجب وطني

الثلاثاء - 07 فبراير 2017

Tue - 07 Feb 2017

الجنادرية، هذه المفردة المحفورة عميقا في وجدان العالمين العربي والإسلامي، فما بالنا بأجيال السعوديين المتعاقبة التي أصبحت هذه المفردة تعني لها الكثير والكثير، فذكر الجنادرية يرتبط بالوجدان السعودي بأسماء كبيرة منهم من توفاه الله، ومنهم من غيبته السنون، ومنه من لا يزال بين ظهرانينا متألقا جميلا.



الملك الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ لا تذكر الجنادرية إلا وتظهر ابتسامته ورقصته وتلويحاته وقبلاته التي كان يوزعها بحرارة ومحبة على الحاضرين، وارتبطت بصوت الأرض ـ يرحمه الله ـ وفنان العرب، وبالشاعر المبتعد عن الأضواء خلف بن هذال، وبوزير الحرس المتألق الأمير متعب بن عبدالله، والأستاذ سعود الرومي، وبالكثير من الأسماء التي لا تتسع المقالة لحصرها.



الجنادرية تجاوزت اليوم معنى المهرجان، وتجاوزت معنى التراث والثقافة، وبلغت مرحلة (الفلسفة)، فهي فلسفة قيادة ذكية تؤمن بالأواصر بين الشعب السعودي وشعوب العالمين العربي والإسلامي، فهذه التظاهرة السنوية الممتدة زمانيا لأكثر من 32 عاما تتحرك عموديا خلال الزمان، وتنضج ثمارها المتجددة في كل موسم، وتتحرك أفقيا خلال المكان بطرق شتى، أجملها فيما يأتي:



أولا: على مستوى العالمين العربي والإسلامي تستضيف الجنادرية بكرم وحفاوة الكثير من المثقفين والمفكرين والأدباء والعلماء والسياسيين والإعلاميين من كل البلدان العربية والإسلامية كل عام، وأضافت إلى هذا البعد استضافة بلد كل عام والتركيز على أواصر القربى بين حكومته وشعبه مع السعودية وشعبها.



وعلى مستوى الوطن تختصر كل الوطن في القرية التراثية، فتاريخ المملكة العربية السعودية ماثل للعيان أمام زوار القرية التراثية بكل تمفصلاته، ثم كل إمارة من إمارات المملكة تعرض أمام الزوار مكوناتها التراثية والشعبية والثقافية والفلكورية، وكأنك تتصفح كتابا كاملا عن تلك المنطقة الإدارية في دقائق معدودة، وتلم بأكثر مما يستطيع أعظم المؤلفين كتابته وتوصيفه، ناهيك عن المعارض المتعددة والمناشط المتفرقة للأفراد والمؤسسات.



ثالثا: الجنادرية لم تكتف بمقر القرية والمناشط الثقافية في الرياض، بل كسرت حواجز الجغرافيا بالعديد من المناشط الثقافية التي ترعاها، فالعديد من الأماسي الشعرية والثقافية تقام في الأندية الأدبية على امتداد الوطن، ومثلها في الجامعات السعودية، ناهيك عن المهرجان المسرحي الذي أقيمت دورتان له في الطائف وسيستمر بإذن الله، ثم شراكتها الوثقى مع وزارة التعليم، وإقامة العديد من المناشط الطلابية سنويا في المدارس عن المهرجان الوطني.



إذن نحن أمام بعدين مهمين للجنادرية زمانا ومكانا، ولا يكفيان، بل أرى أن الجنادرية تلامس بعدا ثالثا، إذ تسير من وقت سابق في مسار رؤية المملكة 2030 في تعميق الترابط بين شعوب المنطقة والتأكيد على أهمية المملكة حضاريا ودينيا وثقافيا وتاريخيا، وأكثر من ذلك التأكيد على وجهة النظر السعودية للنخب العربية والإسلامية، والاطلاع عن كثب على خطط وطموحات المملكة بعمقها العربي والإسلامي والعالمي.



أما البعد الرابع، فيتمثل في اعتبار الجنادرية من أنجح المهرجانات الوطنية لاعتماده على العمل المؤسسي الممنهج، الذي لا يخفت أو يختل باختلاف الشخوص، بل تجد الاهتمام بأدق التفاصيل حاضرا منذ أن تطأ قدماك المطار حتى تغادره عائدا، وهذا ما لم أجده في كثير من الملتقيات، فاختلاف الشخوص يربك بعض الملتقيات، واهتمامها بالتفاصيل يندر إلى درجة ضيق بعض المدعوين أحيانا.



المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية وجه مشرق للوطن بفعالياته وامتداداته وتكريمه للرواد والثقافة والفنون والفلكور والفكر والتراث، يكفي اهتمام قيادات الوطن به منذ الملك فهد ومؤسسها الملك عبدالله حتى سلمان الحزم، وتكريم هذا المهرجان بات ضرورة ملحة على أعلى المستويات؛ كونه ينبثق من مؤسسة عسكرية ليست ثقافية، ويتجاوز ما تقدمه المؤسسات الثقافية، ثم لأنه واجهة حضارية سعودية دقيقة الملامح، ولأنه يتجدد باستمرار ويضيف بدهشة.



[email protected]