فائز صالح جمال

مبادرة معاد نموذج لحلول عملية للتوطين

الاحد - 05 فبراير 2017

Sun - 05 Feb 2017

ظل توطين الوظائف على مدار عقود طويلة يراوح حول قرارات مبنية على نقص ثقة بين الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص ومن يمثلها، ولذلك ظلت محكومة بعنوان رئيسي وهو فرض السعودة على القطاع الخاص بقوة النظام بصرف النظر عن واقعيتها أو إمكانية تطبيقها. والمثير للعجب والدهشة هو استمرار هذا النهج رغم بروز إشكالات عدة بسبب التطبيق، منها: السعودة الوهمية، وإعاقة توسع مؤسسات القطاع الخاص، وتراجع الصناعات الوطنية وبالأخص الصغيرة والمتوسطة. لعله من المعروف أن هناك العديد من الدراسات التي أجريت للاطلاع على تجارب الدول التي سبقتنا في مجال التوطين إلا أن قراراتنا وحلولنا ظلت تكرر نفسها بأشكال مختلفة وتدور حول الفرض والإلزام رغم تكرار الفشل للدرجة التي تعطي شعورا وكأننا فقدنا القدرة على الابتكار والمبادرة إلى حلول عملية واقعية فعالة. في رأيي أن نجاحنا في السعودة يرتكز على ركيزتين: الأولى: التربية والتعليم بما يجعل أبناءنا مبادرين إلى العمل في جميع الأعمال والمهن والوظائف والأعمال الحرة. الثانية: تقديم الدعم والتسهيلات لمن يرغب من السعوديين بالدخول للأسواق والعمل في التجارة. وغير ذلك يعد استمرارا لخنق التجار السعوديين الحقيقين وتمكينا للمتسترين، واستمرارا للسعودة الوهمية، وللتخريب المتواصل لمواردنا البشرية ولقدراتها الإنتاجية، وتدميرا لقيمنا الأخلاقية. ومقال اليوم يأتي في سياق الركيزة الثانية المعنية بتقديم الدعم والتسهيلات للتجار السعوديين في مدينة مكة المكرمة، والمبادرة أتت ضمن المحور الاقتصادي لمبادرة معاد لتعزيز الهوية المكية والعناية بالآثار والمعالم التاريخية، ونطاقها الجغرافي المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام وبهدف إعادة توطين التجارة حول المسجد الحرام. وكمقدمة أقول إنني عاصرت في طفولتي تجار مكة المكرمة وهم في دكاكينهم حول المسجد الحرام يمارسون التجارة والبيع بأنفسهم ومعهم أولادهم، ويحضرني في الذاكرة بعض البيوت التجارية مثل بيت الفارسي وبيت بدر وبيت الطيب وبيت سيف الدين وبيت أبوناصف وأخوالي بيت الزمزمي، وقد اختفوا كلهم من حول المسجد الحرام بفعل الهدميات المتتابعة وبسبب تحرير إيجار العقار وتضاعفه بشكل خيالي؛ فهذان العاملان كانا عاملي طرد للتجار المحليين من المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام وإحداث فراغ شغله التستر والمتسترون. وجاءت توسعة الملك عبدالله للمسجد الحرام بفرصة ذهبية لإعادة توطين التجارة حول المسجد الحرام، والمقصود بذلك المحلات التجارية في محطات النقل، وفي مصاطب الخدمات، وهي الجزء الدائري المحيط بتوسعة الملك عبدالله. وكانت مبادرة (معاد) الاقتصادية اهتبالا لهذه الفرصة المواتية. تبني فكرة المبادرة على أساس هو أن المصاطب ضمن أملاك الدولة التي لا تستهدف الربح المباشر من تأجير المحلات التجارية، كما هو حال القطاع الخاص وإنما هي معنية بتحقيق مصالح رعاياها. والمبادرة تقوم على تخصيص محلات المصاطب والمرافق المحيطة بالمسجد الحرام للتجار المحليين دون غيرهم، واستعادة البيوت التجارية والأسواق المتخصصة التي كانت تحيط بالمسجد الحرام من جديد، ووضع ترتيبات تضمن عدم ممارسة البيع في المحلات من غير السعوديين، وعمل توليفة خاصة لنظام التأجير بما يسهم في تمكين المواطن التاجر الحقيقي – وليس المتستر- من خلال تحديد إيجارات مخفضة تراعي ربحية مختلف الأنشطة التجارية وعدم طرحها للمزايدة أو لمبدأ تعظيم الدخل الذي يعتمده القطاع الخاص، وتسهم من جهة أخرى في دعم نجاح التاجر المحلي من خلال تكوين خليط مدروس للمستأجرين، وكذلك من خلال تحديد أوقات العمل ومن خلال التسهيلات والإعفاءات من رسوم الجهات المعنية. وقد تم وضع هذه المبادرة تحت أنظار سمو أمير منطقة مكة المكرمة وسعادة مستشاره وكذلك السادة رئيس وأعضاء الغرفة التجارية بمكة، وتم اقتراح تكوين فريق يشمل الإمارة وأمانة العاصمة وغرفة مكة ومكتب العمل ومبادرة معاد لدراسة التفاصيل وآليات التطبيق، وفي انتظار التوجيه من أجل تفعيلها. [email protected]