مرضى بلا أسرة

الجمعة - 03 فبراير 2017

Fri - 03 Feb 2017

ما بين قوائم الانتظار الطويلة للحصول على سرير لإجراء جراحة غير طارئة، أو تنويم لإجراء فحوصات مخبرية وتشخيصية لمرض مزمن، وبين الحاجة الماسة لنقل مريض في حالة طارئة إلى أحد المستشفيات التخصصية، تكمن المعاناة الحقيقية للمرضى وذويهم، وفي ظل غياب آلية للتواصل الفعال معهم من قبل الجهات المسؤولة يلجأ ذووهم إلى البحث عن وسائل أخرى اعتادها المجتمع في حال تعثر تلك الإجراءات، وهي أن يستعين أحدهم بقريب يعمل في إحدى تلك المنشآت، أو مكالمة هاتفية لأحد أعيان ووجهاء المدينة للشفاعة بتعجيل نقل مرضاهم قبل فوات الأوان، كما حدث في كثير من حالات إخلاء ونقل المرضى.



من المعروف أن الخدمات الصحية المقدمة في بلادنا عبارة عن مشروع وطني يقدم رعاية صحية مجانية للمواطنين، وهذه الخدمات تأتي عن طريق مؤسسات حكومية متعددة، كما أن أهلية العلاج تخضع لشروط وضوابط محددة تختلف من مؤسسة لأخرى. هي من التعدد والتنوع بحيث تجعل من التنسيق بينها غاية في الصعوبة. ولو تأملنا القدرة الاستيعابية لجميع تلك المؤسسات التي تقدم الرعاية الصحية لوجدناها كالآتي:

أولا ـ مستشفيات وزارة الصحة والبالغ عددها 274 مستشفى تبلغ طاقتها الاستيعابية (41.297 سريرا).



ثانيا ـ القطاعات الحكومية الأخرى وغير التابعة لوزارة الصحة والتي تشمل المستشفيات الجامعية، ومستشفيات وزارة الدفاع، ومستشفيات وزارة الحرس الوطني، ومستشفيات الأمن العام، بالإضافة إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي والأبحاث في كل من الرياض وجدة. يبلغ عدد جميع هذه المستشفيات 43 مستشفى، بطاقة استيعابية (11.449 سريرا).



ثالثا ـ القطاع الخاص والذي يخضع لضوابط وإشراف وزارة الصحة، وبقوائم مالية وإدارية مستقلة، والذي شهد نموا متزايدا في الخمسة أعوام الماضية، حتى أصبح هنالك 145 مستشفى، وبطاقة استيعابية تصل إلى (16.648 سريرا).



وإذا أمعنا النظر في قدرة تلك المستشفيات الاستيعابية مجتمعة لوجدنا أنها مقبولة، حيث إنه يصبح هنالك 2.1 سرير لكل ألف مواطن، إلا أن هذا العدد من الأسرة غير متاح لجميع المواطنين بسبب أحقية العلاج المحددة في المستشفيات العسكرية، وبسبب غياب التأمين الطبي للمواطنين للاستفادة من خدمات القطاع الخاص. أما ما هو متاح للمواطنين من خدمات فعلية فهو داخل أروقة مستشفيات وزارة الصحة، والتي تشكل ما نسبته ما يقارب 60%‏ من تلك الطاقة الاستيعابية الإجمالية، وبالتالي فإن عدد الأسرة لا يزيد عن (1.3 سرير) لكل ألف مواطن، بينما يبلغ المعدل الأوروبي لعدد الأسرة مقارنة بعدد السكان (3.4 أسرة) لكل ألف من السكان.



يمكن أن يقال هنا إن هذا القصور في عدد الأسرة المتاحة للمرضى في الحالات الطارئة التي تستدعي تحويلهم إلى أماكن أكثر تخصصا أو حتى قائمة الانتظار الطويلة لإجراء عمليات اعتيادية مثل إزالة المرارة على سبيل المثال، والتي أصبح الانتظار لإجرائها أكثر من عام كامل، من الممكن العمل على تحسينه، وذلك بطرق الأبواب الموصدة، وفتح قنوات التواصل الفعال بين وزارة الصحة من جهة والمنشآت الصحية الحكومية الأخرى والقطاع الخاص من جهة أخرى. يضاف إلى ذلك إيجاد آلية مالية لتغطية تلك النفقات بصورة شفافة وفورية. بهذه الطريقة تستطيع الوزارة استثمار الطاقة الاستيعابية المتبقية (40%‏) من العدد الإجمالي للأسرة، والتي لا تخضع لإدارتها وتشغيلها المباشر.



هذا هو أقل ما يجب أن تسعى إليه وزارة الصحة ونحن ما زلنا على وعد التحول الوطني في القطاع الصحي 2030، وتسودنا موجة من التفاؤل بتلك البرامج. أما إذا استمرت الوزارة بنهجها الحالي بالتعامل مع نقص عدد الأسرة المتاحة لمرضاها، وظلت تحتفظ بنفس المسافة مع القطاعات الأخرى، فإن افتراضا مثل هذا يمكن أن ينشأ فقط حين يدرك التنفيذيون في الوزارة والقطاعات الصحية الأخرى أن العلاقة بينهم مختلة ويراد لها أن تبقى كذلك.