فاتن محمد حسين

العلا.. الثروة السياحية المنسية!

الخميس - 02 فبراير 2017

Thu - 02 Feb 2017

تقوم الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بدور مشكور في التنقيب عن الآثار في منطقة العلا، حيث أبرمت عقودا مع شركات في المنطقة مثل: شركة ايرباص الفرنسية، وشركة ألمانية، وأخرى إسبانية، ولكن – للأسف - لم يتم التوصل بعد إلى نتائج أبحاث دقيقة في مجال الحفريات والآثار. وما زالت عمليات التنقيب في بداية مشوارها العلمي، فآثار مدائن صالح التي سجلت في قائمة التراث العالمي باليونيسكو (World Heritage site) - والتي كنا نظن أنها قصور بنيت - يقال إنها ليست إلا قبورا للأنباط، وكل قبر نحت على جبل صخري هو تحفة فنية استثنائية بل كنوز تراثية رائعة، ولكن لم توجد حتى الآن دراسات مؤكدة حولها!!



وفي ظل رؤية المملكة 2030م، والتي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وأكد على «أننا نستطيع أن نعيش في 2020م بدون نفط»، مشيرا إلى موارد متعددة أهمها الترفيه والسياحة، كما أضاف أن «التحول الوطني سيعتمد على السياحة والمتاحف واستثمارها كمصدر جذب سياحي نظرا للعمق التاريخي لمنطقة الجزيرة العربية وليس فقط الإسلامي بل لدينا الكثير من الحضارات التي تمتد إلى الآلاف من السنين.. والتي يجب أن نستغلها». ووفق هذه الرؤية الاستراتيجية فإنني أجزم أن منطقة العلا بها كنوز تراثية وتاريخية لم تستثمر بعد..! وقد قابلت بالصدفة زائرة سويسرية وتحدثت معها عن زيارتها، حيث كانت وأطفالها شغوفين جدا بالاطلاع على هذه الحضارات والآثار التاريخية..!



والحقيقة المرة أنه إلى الآن فإن التأشيرات التي تمنح لدخول السعودية هي للعمل أو الدراسة أو تأشيرات الحج والعمرة لزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة (أي تأشيرات للمسلمين فقط)! ولكن لماذا لا نمنح تأشيرات للسياحة العامة لغير المسلمين في تلك المناطق؟! إن الاستثمار في هذه الكنوز سيوفر للدولة المليارات من الريالات سواء في مدائن صالح أو غيرها من المناطق التي تذخر بها بلادنا، فدراسة منح التأشيرات للسياحة العالمية أمر ملح لأن قطاع السياحة سيحقق إيرادات عالية للدولة.



ومع أهمية (الاستثمار السياحي) في المنطقة لا بد من توفير البنى التحتية لها لمواكبة أعمال التنقيب، لأن السياحة بحاجة ماسة إلى فنادق بمستويات متنوعة، ومنتجعات، ومطاعم وأسواق، بل وطرق مرصوفة، فمثلا في منطقة (جبل الفيل والجرة) تغوص عجلات الحافلات في الرمال! ولعلنا نعذر المواطن في انصرافه عن وطنه والذهاب للخارج في الإجازات لأن مقومات السياحة والترفيه ما زالت قاصرة عن توفير احتياجاته الأساسية، فضلا عن إيجاد أساليب ترفيه متنوعة تستوعب نشاط الزائرين.



ولوجود نحو 10 ملايين نخلة، وحقول الحمضيات من البرتقال واليوسفي والليمون تمتد لمئات الهكتارات، كل ذلك يتطلب الاستثمار الحقيقي من رجال الأعمال في المنطقة، وأزعم أنه لو أقيمت مصانع للتمور وتغليفها لنافست الأسواق العالمية، كما أن الفواكه والخضراوات قد تغطي الطلب المحلي للمملكة بدلا من الاستيراد من الخارج.



لقد أكرمنا الدكتور محمد خليص الحربي بزيارة متحفه الذي يوثق لحياة الإنسان، وأعده شخصيا من الكنوز التاريخية العالمية التي يجب أن تنال حظها من الرعاية والاهتمام، فهذا المتحف مقسم إلى أقسام عدة، ويحتوي على قطع نادرة بعضها عرض على موسوعة جينيس مثل: مصحف صغير سداسي الشكل مخطوط بكامله من ماء الذهب، ومطوية من المصحف الشريف من أقدم المخطوطات، وقفل باب على شكل كلب، بل لديه عشرات من أقدم الراديوهات في التاريخ الإنساني وأقدم السيوف والخناجر النادرة، كل ذلك يكشف عن عشق الانتماء وحب الإنسان واعتزازه بموروثه الثقافي، وهي جهود ذاتية من الدكتور الحربي بدأت معه منذ الصغر واستمرت حتى الآن.



ولكن كم زائرا حضر إلى هذا المكان؟ الذي ينام في على أطراف المدينة في ظلام دامس وفي أحضان الطبيعة الهادئة، ولم يرصف حتى الطريق إليه بعد! وكم هي الاستفادة الحقيقية من هذا الإرث التاريخي؟ ربما تكون الإجابات صادمة!



أجزم لو أن مثل هذا المتحف في إحدى الدول الحضارية لرأيت الطوابير تصل إلى نهاية الشارع ليل نهار لرؤية هذه الكنوز النادرة، فهو علامة تراثية فارقة تبرز عمق الجهد، والتعب، والوقت الذي بذل في سبيل هذا الإنجاز الحضاري، فمتى تفعل الرؤية الاقتصادية في تلك المنطقة المنسية؟