عبدالله محمد الشهراني

موظفو التشغيل

الأربعاء - 01 فبراير 2017

Wed - 01 Feb 2017

هم جوهر أي شركة وقلبها النابض، وأقصد هنا بالتحديد أولئك الموظفين المتواجدين على مدار الساعة، كابتن الطائرة ومساعده، المضيف وفني الصيانة، جميع موظفي الصالة والساحة في المطارات، مراكز مراقبة التشغيل والصيانة، المستودعات والشحن، إدارة الأمن والتموين.. إلخ. بهمة عالية تركوا عائلاتهم وغادروا منازلهم متجهين إلى مواقعهم، يعملون بجد والناس نيام، ويخرجون من منازلهم حين يعود الكل إلى المنزل، يواجهون الأخطار ويتعاملون مع الراكب المحترم والطفل المؤدب وأنواع أخرى من الركاب يضطر معهم الموظف إلى بلوغ أعلى درجات الصبر والحلم. إدارات مهمة لا تستطيع أي شركة طيران الاستغناء عنها، يملك أغلب موظفيها حسا عاليا بالمسؤولية، ينجزون مهامهم وهم تحت ظروف اجتماعية قاسية، يحضرون إلى العمل وهم مرضى لأنهم يستشعرون الذنب حين حصولهم على إجازة مرضية، يفطر الناس في رمضان مع عائلاتهم وهم تحت الطائرة أو داخلها، ومنهم من يشرب الماء ويأكل التمر على الكاونتر، وآخر يفعل ذلك وهو يمشي بين الطائرات، يصلي الناس العيد مع أطفالهم وهم محرومون من ذلك لتواجدهم في ميدان العمل.



موظفو التشغيل معرضون لأخطار صحية ومشاكل اجتماعية عديدة، تقول إحدى الدراسات الطبية إن اختلاف ساعات العمل وتغير مواعيد النوم يؤثر على نظام إفراز الأنسولين في الدم محدثا بذلك مرض السكري والسمنة، واحتمالية إصابتهم بالسكتة الدماغية أكبر بـ 33% وأمراض القلب بـ 13% مقارنة بالموظفين الذين لا يعملون بنظام الورديات. أما من الناحية الاجتماعية فهم عرضة للمواقف الحرجة مع الأقارب والأصدقاء، فتجدهم يحضرون المناسبات مبكرا ليتمكنوا من المغادرة قبل العشاء وحضور الجميع، والعكس صحيح في بعض الأحيان إذ يحضرون متأخرين بعد مغادرة الجميع، وهذا في حال حضورهم إذ يضطرون في الغالب إلى الاعتذار والذي يتقبله أغلبية الناس لكن ليس الجميع، لا يستطيعون مشاركة الناس أفراحهم ولا مشاطرتهم أحزانهم، حتى مع أسرهم فقد يتطلب الأمر بقاءهم على رأس العمل في أيام الراحة (أوفرتايم)! وبالنسبة للطيارين والمضيفين فالوضع أصعب، فهم يغيبون عن منازلهم بالأيام.



إن من الضروري على شركات الطيران الاعتناء بموظفي التشغيل، فإن أخطاءهم الناجمة عن الإرهاق مكلفة وخطيرة، وأي محاولة لتقليل التكاليف عن طريق زيادة حجم العمل وتقليص عدد الموظفين في الإدارات التشغيلية تكون محاولة خطيرة للغاية «لعب بالنار»، فالإرهاق ربما يؤدي إلى تلف في جسم الطائرة يلزم إصلاحه تكاليف باهظة فضلا عن استبعاد الطائرة من جدول الرحلات أثناء فترة الإصلاح، وربما يؤدي الإرهاق لدى موظفي التشغيل إلى أكبر من ذلك لا قدر الله. إن رفع مستوى الإنتاجية وتقليص التكاليف أمر ضروري لنجاح شركات الطيران في أجواء تنافسية محمومة، ويمكن ذلك من خلال الأفكار الإبداعية في تحديث وتطوير إجراءات وأنظمة العمليات التشغيلية، وأيضا من خلال استخدام التقنيات الحديثة (أجهزة، برامج، تطبيقات، نظم تشغيل، ... إلخ).



ومن ناحية أخرى نجد أن بعض شركات الطيران تلجأ إلى إلغاء بعض مميزات موظفي التشغيل من أجل تقليص التكاليف لكي تظهر في خانة الأرباح لاحقا، وهو الأمر الذي سوف ينعكس سلبا على جودة الخدمة المقدمة والتي يستشعرها العميل بشكل مباشر في التعامل أو غير مباشر بالنسبة للخدمات الأخرى.

إن أقل ما يمكن تقديمه لموظفي التشغيل هو توفير بيئة عمل مناسبة وممتعة، مكاتب وأجهزة ووسائل مواصلات وإدارات مساندة تتكفل بأمورهم الإدارية، وسن نظام يميز من خلاله بين الموظف المجتهد والموظف العادي فضلا عن الكسول، وتقدير مجهود تلك الإدارات من خلال توزيع مكافآت عينية ونقدية بحضور عائلاتهم لكي يستشعروا أهمية ومكانة ما يقومون به، إن من الضروري غرس شعور الولاء للشركة في نفوس هذه الشريحة من الموظفين، والذي سوف يترجم على شكل دعاية وتسويق لشركاتهم، إضافة إلى اعتباره مصدر أمان يحمي الشركة من انتقالهم إلى المنافسين، هذا الولاء لا يأتي من فراغ إنما يأتي من خلال حصولهم على حقوقهم وتوفير متطلباتهم وتلبية رغباتهم دون طلبها، أي باختصار الاهتمام بهم. إن مستوى أداء موظفي التشغيل في جميع شركات الطيران يعكس نجاح الإدارات العليا في تلك الشركات، فهي التي تصدر القرارات وتضع الأنظمة وتحفز الموظفين على أن يظهروا الابتسامة الطبيعية والتعامل الحسن مع المسافرين والعكس صحيح.

إلى كل موظفي التشغيل.. شكرا جزيلا لكم.