محمد أحمد بابا

اللحم لي والعظم لي

الثلاثاء - 31 يناير 2017

Tue - 31 Jan 2017

يصعب عليك تحديد الصحيح من الأفعال حين يكون أمامك خيار الإقدام مقرونا برخصة الترك، وحينها ستجد نفسك تتمنى أن يعفيك الواقع من موقف كهذا لتكون خلي البال صحيح البراءة.



ذلك هو بالضبط ميدان تربية الأبناء والبنات في هذا الزمن الذي فتح الله فيه أبواب كل شيء قُبلا، وأضحت وسائل التواصل وتقنية المعلومات وفرة معطيات تؤثر بشكل مباشر في القناعة للصغير والكبير.



وجدت كثيرا من الجلساء يفضي بعضهم إلى بعض القول أن صارت التربية من أشق الأعمال لكل من أراد إحسانا ونتاجا طيبا يفخر به أو يسعد له، وجل تلك الأحاديث تركزت في مجملها على سرد تاريخ أنهم كانوا على غير ما عليه أبناؤهم وبناتهم اليوم.

ولا يخلو كلام بين اثنين رزقهما الله ولدا أو بين اثنتين أنعم عليهما البارئ بذرية من سمفونية «كنّا وأصبحوا» ونحو ذلك من بث شكوى أضحت تتمة كلام ومتلازمة بوح.



وبيت قصيدي هنا متمثل في أن الملامة على التغير والتغيير في تضاؤل ذكر بين الناس مقارنة بماض قريب كان تغيير الشماغ فيه للغترة يمر بعملية قيصرية لا يتحملها إلا من كان له درع لسان أو حصن وجاهة.



لذلك فمن غير المعقول أن تبقى استراتيجيات تربية أو متابعة أو إكساب مهارات للبنات والأبناء على نحو ما كانت عليه أيام «افعل ولا تفعل» دون نقاش أو حتى تفكير في مراجعة، لأن للمربي اللحم وللبيت العظم.



وليس معنى ذلك أبدا وضع مقارنة بين ماض وحاضر في ميزان خطأ وصواب بقدر ما أن الحق أحق أن يتبع حين تتضح الأمور.



فبما أن زيادة المعطيات فاعلة في زيادة الفهم وتعدد الخيارات، فإن تغير المواد واختلاف المقادير وتباين الموضوعات عامل تغيير في التعاطي عند الحصفاء.



التربية اليوم أظنها وليدة تفكير وتأمل وجمع للمعلومات ودراسة الحال والبيئة وحقوق الإنسان الخاضع للتربية، وهي كذلك آلة الذكي والذكية في الاستفادة من العلم والمعرفة والأخبار وتجارب الناس ليختار الأسلم والأدعى للنتيجة المرضية، مع فتح باب الاحتمالات على مصراعيه.



ولا أفظع أبدا من إصرار عاقل على تكرار فعل رغبة في ردة فعل لم تحصل من المرة الأولى أملا في حصولها من المرة العشرين، ولا أضر من كذب سرد تاريخي عن مزايا ماض أب لابنه وأم لابنتها في غير الحقيقة أو في غير إنصاف لتكون تلك القصص في واقع السماع ردمية سلة مهملات الدماغ.



كنت في تجربة أولى مع ابني الأكبر صاحب قسوة وجهالة تصرف وادعاء وصاية حتى حمدت الله تعالى أنني عرفت خطأ كاد أن يفضي بي لفرد عضلات غير موجودة في الأصل.



وما ندمي الأليم على أيام مضت في هضم حقوق إنسان جعله ربي لي ابنا أو تلميذا إلا فزاعة خوف إيجابية جعلتني اليوم أوقن بأن التربية تجربة الجديد مع اصطحاب الثابت وأن تعيش مع ابنتك وابنك اللحظة، ليكون العظم لك واللحم لك والروح لك والقلب لك وأنت لهما.



ليست التربية قرارا ولا فرمان حكم ولا قواعد تأطير فيما أعتقد وفيما جرّبت أخيرا، ولكنها بكل ما تحمل وصية ربنا في كتابه (وصاحبهما في الدنيا معروفا) من مفاهيم، ومن هو مأمور بذلك لن يفعل ما لم يكن قد تهيّأ لأن يفعل.



[email protected]