أحمد الهلالي

سمعني صياحك يا مركز الحوار الوطني!

الثلاثاء - 31 يناير 2017

Tue - 31 Jan 2017

(سمعني صياحك) عبارة تختصر للدنيا كلها مستوى (الحوار) الذي بلغناه، في إلغائية عجيبة للمختلف الفكري، انطلاقا من خطاب امتلاك الحقيقة، و(الاتهام) لكل من يعتقد خلاف ما أمتلكه (أنا) المتحدث باستعلائية عجيبة لا تقبل المداولة ولا المراجعة، ناهيك عن استحالة (التنازل) حتى لو جاء جبريل وقال (لست على حق).



(سمعني صياحك) متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يستخدمها الجميع ضد الجميع، في نبرة تحد مباشرة في كل القضايا الفكرية والسياسية والدينية والرياضية والثقافية والاجتماعية وغيرها، تتبعها عبارات التشفي مثل (الصراخ على قدر الألم) وغيرها، لكل من يبدي رأيه المخالف في أي قضية كانت، ثم تتدفق بعدها عبارات (الشتم والقذف والتهديد) في مشهد مقزز، يوحي بالمستوى المتردي الذي بلغه البعض في قبول الآخر.



حين نلتمس بعض العذر لنزق بعض الشباب في التعصب الرياضي، كيف نلتمسه لغيرهم، ممن ينصبون ذواتهم ناطقين باسم (المجتمع) في جل شؤونه، ويقررون نيابة عن (الجميع) أن المجتمع لا يرضى بكذا ولا يتخلى عن كذا، ثم يكيلون التهم لكل مخالفيهم (أيا كانوا) مراء وافتراء بغير وجه حق، بقصد تشويه الآخر زورا وبهتانا، وفجورا في الخصومة يؤزهم إلى إباحة تجاوز المبادئ الدينية والأخلاقية، ذنب المستهدف أنه خالفهم، فمن المسؤول عن جعل كل القضايا الخلافية مسلمات قطيعة؟ ومن المسؤول عن شلل الاختلاف الفقهي؟ وخلق المرجعية الموحدة؟ وتعميم الرؤى والأفهام الشخصية لتصبح مقدسا يحرم المساس به؟



نجد الكثير من محظورات الأمس تتهاوى اليوم، تتساقط، وتتهافت مبانيها الفكرية أمام انفتاح المعرفة، ودفق المعلومات المستمر، ولا يزال أرباب (سمعني صياحك) متشبثين بها وبأخواتها، وكأنها بديل للقول الشعبي الميئس (انطح الجدار/ اشرب البحر)، فقد غابت الحجة والمنطق وكَلّ القوم عن إقناع الناس، فلم يبق إلا فرض الرأي بالقوة (رغما عن أنف المخالف).



مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، نسمع به، نرى أركانه في المعارض، ومطبوعاته المختلفة، ونسمع عن برامج وورش عمل، لكن الأثر غير ملموس حقيقة، ولا أظننا سنجده، ما دام الرأي (أحادي القطب) وما دام المتخالفون يختلفون عميقا، فيكتفى بعقد حلقة حوار يقدم فيها كل رأيه في ورقة عمل يصم المخالف أذنه عنها، ثم يذهب في سبيله.



لماذا لا يتبنى المركز المناظرات العلنية بين المختلفين، وكشف الاختلافات وتبيان الحقائق للناس، مع شروط صارمة لكل متجاوز، لماذا تظل الحوارات في دوائر مغلقة، وكأن المركز لا يعلم أن خلف كل مختلفين آلاف مؤلفة، تنتمي لرأيه عاطفيا، والقلة منهم فكريا، ولماذا لا يكون الحوار مشروعا وطنيا معلنا في مؤسساتنا التعليمية، فرأي أستاذ الحصة الثانية ينقضه ربما أستاذ الحصة الرابعة، أو الأسرة، أو برنامج إعلامي أو حتى رسالة على برامج التواصل.



[email protected]