العرب قبل الميلاد

الثلاثاء - 31 يناير 2017

Tue - 31 Jan 2017

تقريبا، إذا سألت أي أشخاص في أي عمر، ما هو تاريخ العرب لأجابوك متسارعين: الدولة الأموية! الدولية العباسية! بل دولة الفاطميين! أولا تدري ما صنع صلاح الدين والدولة الأيوبية؟ وأخيرا: الدولة العثمانية! ولو أن هذه الإجابة تعبر عن شيء من الواقع إلا أنها لا تعبر عن الواقع كله، فتاريخ العرب عندنا يبدأ منذ انطلاق رسالة الإسلام ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قبل هذا التاريخ، فمن يعرف من تاريخ العرب شيئا؟! أكاد أقول: قليل جدا، لا نعرف عنه بعمد أو بدون عمد إلا أنها كانت جاهلية، وحربا شعواء، وقتال بعضهم لبعض، وسوءا في الأخلاق وقلة علم.



الحقيقة أننا كنا حتى قبل الإسلام أصحاب حضارة ومبادئ ورقي، وأن الجاهلية التي تكلم عنها القرآن الكريم هي جاهلية التوحيد، إذ إن التوحيد كان غائبا عن العرب لوقت طويل فبعث الله نبيه محمدا ليخرج الناس من عبادة العباد لعبادة رب العبيد، فلنرجع قليلا إلى ما قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، في حدود القرن الثامن والتاسع قبل الميلاد، كانت على تخوم دومة الجندل (واسمها قديما أدوماتو) مملكة عظيمة اسمها مملكة قيدار، نسبة إلى أحد أولاد إسماعيل عليه السلام وهو قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم والذي جاء منه قريش والنبي، هذه المملكة كان تحكمها نساء عربيات! تخيل معي! لا ملوك عرب بل ملكات عربيات مثل سمسي وزبيبة وزنوبيا وغيرهن، قف عندك! حتى هذا السطر، هل كنت تعلم أن جزءا من تاريخنا كانت المرأة فيه حاكمة؟ بل تحكم مملكة عظيمة اشتهرت بصراعاتها المتعددة مع الآشوريين في بلاد ما بين النهرين، إذا كنت لا تعلم فمن المسؤول بكل صراحة؟ ليس هذا فحسب، هل لديك أي من أصدقائك من قبيلة «اللحياني»؟ هل تعرف أنهم كانوا ملوكا وسط وشمال الجزيرة العربية لعدة قرون قبل الميلاد؟ من القرن السادس الميلادي وحتى عام 168 ق.م كان اللحيانيون يحكمون وسط وشمال الجزيرة العربية حتى أسقطهم الأنباط عام 168 ق.م ثم سقط الأنباط عام 106م على يد الرومان، كان اللحيانيون يتمركزون حول الخريبة بمحافظة العلا حاليا (أو ددان هو اسمها القديم)، ولهم مشاهد حتى اليوم في جبل أم درج والخريبة على معبودهم ذي غيبة وخاصة نقوش القرابيين والصلوات عند جبل عكمة الذي قام بفك معظم نقوشه الدكتور حسين أبوالحسن.



وفي تلك العصور برزت أيضا مملكة كندة العربية في جنوب الجزيرة العربية، وكان هناك كندتان، أولى وثانية، وأحد أشهر ملوك كندة الشاعر العربي امرؤ القيس الكندي، وأيضا لا ننسى مملكة مدين شمال الجزيرة العربية والتي اشتهرت في نصوص التوراة بأنها كانت حية ومشعة ومعروفة بالثراء الفاحش والاقتصاد القوي وهي التي خرج إليها موسى بن عمران عليه السلام مهاجرا بعد قتله للقبطي بالخطأ من أرض مصر وهي التي انطلق أيضا منها موسى عليه السلام إلى أرض مصر طالبا من فرعون أن يخلي شعب بني إسرائيل للبرية ليعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئا.



هذه الممالك والدول هي جزء من تاريخنا العربي العظيم الذي لا يعرفه الكثير منا، بل إننا لو تكلمنا عن كل مملكة وحضارة ودولة من دول العرب قبل الميلاد لما أسعفتنا ألفا مقالة، فقد كنا أولي بأس وحضارة وعمارتنا قبل الميلاد يشهد لها القاصي والداني، فمن لا يعرف روعة بناء الأنباط في البتراء والحجر؟ وتقدمهم العسكري، لكن إن كنا نحن نجهل كل ذلك فقد حان الوقت لدق أجراس «الصحوة الحضارية» ليعرف أبناء المملكة حضارة بلادهم العريقة لعلها تكون بابا عظيما بإذن الله في خدمة السياحة وموردا مهما لاقتصاد هذه البلاد المباركة.