هبة قاضي

لا تكن في جماعة

دبس الرمان
دبس الرمان

الاحد - 29 يناير 2017

Sun - 29 Jan 2017

بعض الشخصيات من حيويتها وإيجابيتها تدفعك دفعا للتعرف عليها ومعرفتها عن قرب. أخذت فاطمة تقص لي بأريحية عن رحلة كفاحها بعد اندلاع الثورة في سوريا وخروجها من حلب، سابقة أولادها وأمها في محاولة لتأمين حياة آمنة في مكان آخر ومن ثم عودتها لاصطحابهم.



رحلة كفاح مضنية بدأت من أربيل في إقليم كردستان، والتي اضطرت أيضا لتركها بعد اقتراب داعش منها، لتعود فتغامر بالذهاب لتركيا ويستقر بها المقام في مدينة كوشاداسي في إقليم أزمير كطبيبة أسنان في عيادة طبيب معروف، حيث كسبت ثقة الكثير من العرب هناك وكونت سمعة طيبة في أوساط السياح، وعليه فقد استطاعت أخيرا الاستقرار، وجلب والدتها وأولادها للاستقرار معها في حياتهم الجديدة.



تصمت فاطمة قليلا وتترحم بصوت عال على والدها الذي لولا إرساله لها لتكمل تعليمها في مجال طب الأسنان في أبوظبي ووقوفه في وجه أعمامها وأفراد العشيرة التي ينتمون إليها والتي تعتبر أنه من المعيب أن تكمل بناتهم في تخصصات فيها مخالطة للرجال، فكيف بسفرهم للدراسة، لكانت الآن تواجه الموت مع أمها وأولادها في حلب، أو تهيم في أصقاع الأرض لاجئة بحثا عن الأمان.



لم يكن إبراهام لينكون الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية في يوم ما رجلا عاديا. فإذا ما قرأت سيرته وتاريخه فستدرك أن المحن والطفولة الصعبة واليتم المبكر قد تكون مصنعا للمغيرين وصانعي التاريخ. فرغم نشأته في بيئة قروية فقيرة لوالد بسيط إلا أن لينكون علم نفسه بنفسه، وكان يقطع الطرق مشيا في رحلات تستغرق يوما كاملا في سبيل استعارة كتاب، وقد قام حين كبر بتعليم نفسه القانون من خلال قراءاته وحضور الجلسات في المحكمة، وقد أدى به هذا المجال تدريجيا لدخول عالم السياسة التي تدرج بها حتى انتخب عام 1860 رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.



لطالما أبهر لينكون من حوله بقدرته على وصف رؤى المستقبل وفتح آفاق جديدة من خلال أفكار استباقية لعصره، والتي استطاع عكسها في خطاباته الرنانة وعباراته القوية التي وصل بها للعقول والقلوب وجعلت الشعب يصوت له المرة تلو الأخرى رغم ثورية بعضها، خاصة فيما يخص نبذ العبودية، والمساواة والعدالة الاجتماعية مع الأفارقة، والتي أثارت ضده المعارضين من المتشددين والمحافظين.



دخل لينكون التاريخ بقامته الطويلة في ذلك اليوم المشهود من شهر يناير عام 1865 حين صوت مجلس الشيوخ بالموافقة على التعديل الثالث عشر بالدستور الأمريكي، والذي ينص على تحرير جميع العبيد وإنهاء العبودية. ورغم أن لينكون تم اغتياله قبل أن تسنح له الفرصة لرؤية ثمرة مجهوداته، إلا أن العالم كما نعيشه الآن خال من الاستعباد والرق ومليء بالمساواة والعدالة الاجتماعية، وكان ذلك نتاجا لأفكار آمن بها وخرج بها على أهله وجماعته وبني عرقه، صانعا حضارة تسيدت العالم.



ما أجمل عائلة الحق وقبيلة الضمير ووطن العدالة. ما أجمل تلك القلة التي يقودها الوعي ويدفعها حب الإنسانية للخروج عن وشائج الدم وروابط الاسم للانضمام لمن رفعوا الحق شعارا، والوعي منهاجا، والتغيير للأفضل هدفا، كمثل رسولنا الكريم ومن تبعه في بدايات الدعوة من الصحابة. قد يكون أولئك المغيرون أشخاصا بسيطين يصنعون التغيير من الداخل ببطء، واحدا تلو الآخر، مثل والد فاطمة. وقد يكونون قادة وأصحاب نفوذ ممن يطرحون الأفكار، يرسمون الرؤى، ويسنون القوانين التي تغير الواقع، وتؤثر في أجيال وتصنع عالم الغد، مثل إبراهام لينكون.



[email protected]