مدينة «الثقافة » السعودية

الأربعاء - 25 يناير 2017

Wed - 25 Jan 2017

الانتماء للمناطق والمدن هو أحد الانتماءات الطبيعية التي فرضتها حالة الاستيطان البشري، والتي مهدت لقيام حضارات متعاقبة، وبما أن حالة الانتماء هذه لا يكفي أن يتم التعبير عنها بالمحبة والشوق والعاطفة، بقدر ما يجب أن يعبر عنها بالفعل والمشاركة والفعل الثقافي، فإن ما يلاحظه المثقف السعودي - كونه الفاعل والمحرك لثقافته - تأثير عوامل عدة على الحراك الثقافي المحلي، مما أدى بالإنتاج الثقافي إلى حالة من السكون النسبي، وضعف الإقبال على المناسبات الثقافية، وخاصة أن بلادنا في مرحلة انتقالية نحو التحول إلى واقع جديد عبر «برنامج التحول الوطني 2020 »الذي سوف يقود إلى تحقيق «رؤية المملكة 2030» .





إلا أنه من غير الممكن إغفال تأثير الأوضاع السياسية والاقتصادية العالمية على المزاج العام للمجتمعات، والمجتمع السعودي جزء منها، وتأثير ذلك على الطبقة المثقفة تحديدا، التي هي صانعة الثقافة وناقلتها من السكون إلى التفاعل.

ويضاف إلى ذلك عامل آخر هو «الانغماس » و «التفاعل » في وسائل التواصل الاجتماعي، مما جعل المجموعات الالكترونية عبارة عن ندوات ثقافية ثرية يتم فيها تداول الرأي بأريحية، وبالتالي الانتقال إلى حالة التواصل الثقافي الالكتروني، على حساب التفاعل المباشر. هذه الأمور تحتم وجود فعاليات ثقافية ذات سمات تفاعلية مباشرة، وهو الأمر الذي يقود إلى التفكير بضرورة تنظيم مناسبة وطنية ل «مدينة الثقافة السعودية »، حيث يتم اختيار مدينة سعودية أو أكثر - وبالشراكة أحيانا - لتكون مدينة ثقافية على المستوى الوطني لمدة شهر، مرة كل عام، خاصة أننا لسنا بغريبين عن هذه التجربة، حيث سبق أن اختيرت مكة المكرمة والمدينة المنورة عاصمتين للثقافة الإس المية لفترتين مختلفتين، كما كانت الرياض عاصمة للثقافة العربية في فترة سابقة، ولكن كان التفاعل مع هذه المناسبات تقليديا وغير خلاق للأجواء الثقافية العامة؛ والسبب ليس في المناسبة ذاتها إنما في الاتجاهات الثقافية العامة للمجتمع.





لكن تفعيل مناسبة «مدينة الثقافة السعودية » سوف يخلق حراكا ثقافيا اجتماعيا أكثر، ويتيح مبدأ التنافسية الثقافية بين المدن السعودية المختلفة، كما يتيح ألا

تتولى جهة حكومية واحدة تكاليف التنظيم إنما تعلن إمارات المناطق عن رعاية خاصة للمناسبة تشترك فيها الهيئة العامة للثقافة، والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ووزارة البلديات، والجامعات الحكومية في كل منطقة، وبقية المؤسسات في القطاع الحكومي والخاص، وكذلك في القطاع الثالث (الأهلي) بصورة شراكة مكتملة الأركان، حيث يمكن استثمار هذه الفعالية على مستوى الداخل السعودي، وأيضا على المستوى الدولي بما يسهم في لفت النظر العالمي إلى عراقة مدن ومناطق المملكة العربية السعودية وثرائها الثقافي، وفي الوقت نفسه يتم تنشيط قطاع السياحة الداخلية والخارجية عبر هذه المناسبة.





وهي فرصة ثمينة أن نقدم ثقافتنا لأبنائنا في الداخل وللعالم أيضا بالقدر والشكل المطلوب في مثل هذه المناسبة، إذ إن اختيار المدن الثقافية سوف يفرز حالة من الحراك المؤدية إلى اهتمام السكان المحليين بثقافتهم المحلية، وكذلك صنع حالة من الشراكة المجتمعية والاقتصادية التي تعيد للثقافة وللتراث ألقهما، وتكرس الاهتمام بالموروث من جهة أخرى. فاختيار مدينة «الثقافة » السعودية هو تجسيد للوحدة الوطنية وللتفاعل الثقافي للمدن، ينعكس عبر هذا الاختيار، وإذا ما أردنا أخذ مثال على ذلك، فإن التجربة الرائدة التي قام بها الاتحاد الأوروبي لاختيار المدن الثقافية الأوروبية أمر جدير بالإفادة.



فقد تم إع الن العديد من المدن الثقافية - لا العواصم فقط - بعد منافسات مهمة مع مدن أخرى داخل الدولة أو خارجها، بعد أن تقدم بلدية كل مدينة مشروعها، وبناء عليه يختار الاتحاد الأوروبي المدينة الفائزة بتنظيم المناسبة، انطلاقا من أهميتها الثقافية، ومن تلك المدن باريس وأثينا وبرلين وستوكولهم وغيرها، إذ تهدف المناسبة إلى التنمية الثقافية والإثراء الثقافي للمجتمعات الأوروبية؛ وهذا ما يقود إلى السؤال التالي: أليست مدننا السعودية جديرة بالتنمية الثقافية والإثراء الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياحي؟