فاتن محمد حسين

مكيون بلا حدود.. في العلا

مكيون
مكيون

الثلاثاء - 24 يناير 2017

Tue - 24 Jan 2017

بناء على دعوة كريمة لعدد من مثقفي ومثقفات مكة المكرمة من رئيس لجنة التراث والثقافة بمحافظة العلا سعادة الأستاذ الدكتور محمد خليص الحربي صاحب (منتجع الملوك، والمركز الثقافي، وأشهر متحف في المنطقة) وزوجته سعادة الدكتورة عفت خوقير، زار وفد ثقافي أدبي مدينة (العلا)؛ أرض الآثار والتاريخ والحضارات، لمدة يومين في رحلة تبادلية ثقافية أدبية.



وحقيقة كانت زيارتها بالنسبة لي الحلم الذي أصبح حقيقة، فكم من مرة سمعت وقرأت عنها ولكن هكذا نحن أبناء الوطن نيمم وجوهنا في السياحة شطر الغرب والشرق بل ونزور دبي ومصر ولبنان مرتين أو ثلاث مرات في العام في حين لا نعرف شيئا عن مدننا العريقة بآثارها وتاريخها وحضارتها..!!



ويمكن إعطاء نبذة عن (العلا) للقارئ الكريم لأنها تستحق الزيارة والسياحة، خاصة في ظل رؤية 2030م التي تعتمد على السياحة كأحد أهم الموارد الأساسية للاقتصاد السعودي، منطقة العلا وما كان يطلق عليه (بوادي القرى) من أقدم الأماكن التاريخية في الجزيرة العربية والتي يعود تاريخها إلى ما قبل القرن السادس الميلادي، حيث سكنها شعب (مملكة الديدان). ثم أقام بها (اللحيانيون) من القرن الخامس قبل الميلاد وحتى نهاية القرن الثالث قبل الميلاد. كما سكنتها دولة معين ثم دولة الأنباط حتى مطلع القرن الأول الميلادي، وهي التي امتدت آثارها من منطقة البتراء في الأردن وتوسع نفوذها حتى وصل إلى منطقة الحجر ومدائن صالح.



وحينما جاء الإسلام كانت مدينة العلا من أهم المدن في طريق الحج الشامي والمصري، حيث قدم إليها الرسول في السنة السابعة من الهجرة، والبعض يرجح أنه ذهب إليها في السنة التاسعة من الهجرة أثناء ذهابه إلى تبوك، ومن أجمل الأماكن الإسلامية فيها (مسجد العظام) وهو المسجد الذي جمع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مجموعة من العظام وحدد اتجاه القبلة لأهل العلا، ولا يزال هذا المسجد قائما، بل هناك كثير من الآثار الإسلامية التي تدهشك بروعة تصميمها وجمال وفن البناء بالأحجار المتراصة، في إبداع يدل على عظمة الإنسان في هندسة البناء. كما أن بها (المزولة الشمسية) الطبيعية، والتي تحدد من خلالها ساعات النهار حسب ظل الشمس على ذلك الجبل وفي ذلك الموقع الفريد.



ولأهمية هذه المدينة في العصور الإسلامية المختلفة من الدولة الأموية والعباسية، ثم بظهور الدولة العثمانية تجد كثيرا من الآثار فيها، ومن أجمل ما فيها القطار العثماني الذي كان يربط بلاد الشام وتركيا بالعلا والمدينة المنورة، والذي قامت الهيئة العامة للآثار والسياحة بجهود طيبة في إحاطته بسياج، وترميم القلعة العثمانية التي بجواره، والتي يعود تاريخها إلى عام 1907م وبها بئر تاريخية ومسجد، كما وضعت أفلام وثائقية داخل القلعة؛ تحكي قصصا من التاريخ عن المنطقة. كما وضعت بعض اللوحات باللغتين العربية والإنجليزية للتعريف بالموجودات للسياح.



إن مدينة العلا كمدينة تراثية حضارية تشتهر بروعة جبالها، فكل جبل فيها تحفة فنية أبدعها الخالق العظيم، حتى يقال إن الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - حينما زارها - وكان أميرا للرياض آنذاك - أطلق عليها لقب (عروس الجبال). وشاعر أطلق عليها (لؤلؤة الجبال)، وتغنى بها كثير من الشعراء ومنهم جميل بثينة حينما قال:



خرجنا نحو طيبة من دمشق بأفئدة للقياها حرار

ولكن في العلا زدنا اشتياقا كأن قلوبنا حشيت بنار



ومن أشهر جبالها (جبل الفيل)، و(جبل الجرة)، وهناك جبال بعضها على شكل بطاريق، وأخرى على شكل مجموعة أشخاص متراصين، وطبعا تحاك كثير من الأساطير حول هذه الجبال، فجبل (الحواره) هو مقر عقر الناقة التي خرجت منه ناقة سيدنا صالح عليه السلام وتم عقرها هناك.



بقي أن نقول إن صاحب (منتجع الملوك) أطلق هذا الاسم على المنتجع لأنه في نظره أن كل من يأتي إليه فهو (ملك)، وأما هو ومن معه فلهم شرف الضيافة والقيام على أمرهم. وأضيف أن كل من كان من الوفد الثقافي المكي الذي زار العلا هم فعلا ملوك بأخلاقهم وقيمهم وثقافتهم وعلمهم؛ حيث شاركوا في الأمسيات الثقافية حوارا وإدارة؛ حقا هم غمامة خير أينما حلت هطل خيرها، وللحديث بقية إن شاء الله.