عمرو أحمد الحكمي

سرطان الوظيفة الحكومية

الاثنين - 23 يناير 2017

Mon - 23 Jan 2017

التحق همام بأحد القطاعات الحكومية، كان متقدا نشيطا ذا طموح عال، باشر العمل وهو في غاية الغبطة والسرور، التقى بزملاء العمل وعرف بنفسه في خجل وخوف، ومرت الأيام والأسابيع وهو يزداد سرورا واعتدادا، فلقد أضافت له الوظيفة شيئا عظيما بدل العطالة والتفاهة والجوع، كان همه أن يتطور ويرتقي بمستواه وأدائه الوظيفي، وغايته رضا رئيسه عنه، ومع مرور الأشهر تباعا، تلوث إحساسه بالرتابة والروتين، حاول أن يجدد النشاط ويكسر الروتين، أخذ إجازة لمدة أسبوع، ارتاح فيها كثيرا، وعاد بروح جديدة وهمة عالية، ومع توالي الشهور يشعر بأن الحركة تسكن والكرة الأرضية تكف عن الدوران، ما الذي يحدث؟! لم يفهم بالضبط ما يحدث في حياته، تقرب من القدامى الذين يكبرونه بعشر سنوات، وسألهم عن سبب الرتابة والملل وضعف الهمة، فقالوا له (هذه هي الوظيفة الحكومية) لكنه أبى ورفض أن يستسلم لهذا الجمود والموت البطيء، فتكلم مع زملائه ومن يتساوون معه في العمر، فقال له أحدهم (أنا أخذت الوظيفة هذه عشان آخذ خبرة وأخرج أشوف لي وظيفة ثانية بميزات أفضل وراتب أعلى)، وآخر قال (هنا أمان وظيفي وراتب ثابت، واشتغل بزنس برا.. شغل مخك!).



ومرت السنين، وحدث شيء ثبط عزيمته أكثر ومرض بالإحباط، جاءت لوائح الترقيات والتعينات الجديدة، فكانت النتيجة صادمة، زميل له كان يحضر متأخرا ويهاتف صديقه ليوقع عنه في كشف المتابعة، ويستغل الانتدابات ويستخدم مهمات العمل بصورة غير نظامية وغير أخلاقية تنافي مبادئ الأمانة والرقابة الذاتية يترقى، وزميل آخر مواظب على الحضور والانصراف ويؤدي عمله بإخلاص وتفان ولم يستغل أي مهام عمل أو انتدابات بل كان يأخذ من إجازاته الاعتيادية إذا طرأ له ظرف، يبقى كما هو ينتظر السنة المقبلة كي تأتيه الترقية، ويتسولها.



هنا توقف عن البذل والعطاء، وانطفأ بريق الحماس والنشاط في عينيه، أصبح يستيقظ مكرها، ويسب ويلعن في زحمة السير، ويجلس مع زملاء العمل يفطر ويدردش إلى الساعة العاشرة، ثم يبدأ في أداء عمله متثاقلا متأففا، وتذكر في غمرة اليأس مقولة (من جد وجد) وبصق على الأرض مشمئزا من الكذبة الحقيرة التي تقيء بها المعلمون في المدارس والأساتذة في الجامعة، وقال في حنق (من لعبها بذكاء وجد).



وهنا أيقظه نداء خفي أزعج فؤاده قال له إن التلاعب واستغلال الصلاحيات دون أدنى شعور بالمسؤولية والأمانة خلق ينافي مبادئ الإسلام النبيلة، أليست الوظيفة عبادة وطاعة وقضاء لمصالح الشعب والدولة ؟!، ولو استمر الوضع كما هو فسيؤدي في المستقبل القريب إلى التدهور وانتشار الفساد ولا يمكن القضاء على هذا السرطان الفتاك حتى بالكيماوي (الفصل) لأن الصورة الذهنية عند الموظفين المستجدين نخرها الإحباط واليأس.