أسامة يماني

لن ترحل عن قلوبنا يا أمير القلوب

السبت - 21 يناير 2017

Sat - 21 Jan 2017

سطر الأمير محمد الفيصل يرحمه الله تاريخه الحافل بالإنجازات بمداد من نور مشع مضيء مبهر بسبقه وتفرده واقتحامه ظلمات الأفكار القديمة والتليدة، وقد كانت رحلة عمره يرحمه الله رحلة كفاح مليئة بالعطاء من أجل الوطن ومن أجل ما آمن به وتربى عليه من قيم العدل والإنصاف، فتاريخه «أحسن الله إليه» حافل بالبناء وعمارة الأرض ونشر ثقافة الاقتصاد الإسلامي وتطبيقه، وإنشاء المدارس والاهتمام بالتعليم والثقافة.



وقد كان رحمه الله موسوعة ومرجعا في الاقتصاد الإسلامي قال عنه صديقه صالح كامل وهو يبكيه إنه «الأمير الذي قاد سفينة الإبداع والتفكير، بكفاءة منقطعة النظير، بأفكار سبقت زمانه وفاق بها أقرانه». وهذه إحدى الشهادات من رجل تميز وعرف بباعه الطويل في الاقتصاد الإسلامي، كما أنه عاصر رحلة الأمير الفقيد منذ بداياته في مؤسسة النقد ثم في وزارة الزراعة.



كان الأمير محمد الفيصل، أسكنه الله فسيح جناته وأرضاه، جم التواضع له حضور قوي في وجدان من يراه، ولست مبالغا عندما أقول إنه لا يملك أي إنسان اقترب منه إلا أن يعجب به، ويصبح محبا له ولذكراه العطرة، أما الذين سمحت الأقدار لهم بصحبته فيدركون مدى جلل المصاب. اللهم ألهم ذويه وأهله الصبر والسلوان وتغشى الفقيد برحمتك، واغفر له وارض عنه إنك سميع مجيب.



لقد كان سموه وهو في ريعان شبابه يحمل هم وطنه وأمنه المائي ففي أثناء عمله بمؤسسة النقد العربي السعودي كان يشغله هاجس توفير المياه فقام بزيارة محطات تحلية لبعض الفنادق والقصور ذات القدرات المحدودة، غير أن هذا الأمير الفذ الذي لا يرضى بأنصاف الحلول ويهدف إلى حل المشكلة من جذورها، وبسبب جهده وإيمانه بإمكانية توفير المياه بواسطة تحلية مياه البحر طرح هذا الأمر على جلالة الملك فيصل الذي بدوره أمر بتشكيل لجنة لدراسة الموضوع انتهت فيها بعد الدراسة بتوصية مؤيدة لما ذهب إليه الأمير محمد الفيصل رحمه الله، وعليه تم إنشاء إدارة لتحلية مياه البحر في وزارة الزراعة لأنها الجهة المسؤولة عن المياه وتوفير المصادر وتوصيل المياه للمدن والقرى.



وكان توفير المياه قبل ذلك يعتمد على الآبار ومياه الأمطار الشحيحة في أرجاء الوطن، وسعى رحمه الله، وبجهوده إلى تحويل إدارة التحلية بوزارة الزراعة إلى وكالة حتى صدر الأمر الملكي بالموافقة على إنشاء مؤسسة عامة للتحلية مستقلة عن وزارة الزراعة كي يبعدها عن البيروقراطية والروتين ويحميها من أعداء التطوير، وقاد، رحمه الله، هذه المؤسسة حتى أصبحت أكبر مصدر لمياه الشرب وبذلك دخلت السعودية عصر المياه العذبة المحلاة من مياه البحر، وأصبحت رائدة في مجال تحلية مياه البحر، وحصلت على العديد من براءات الاختراع، وبتوفيق من الله حمى البلاد والعباد من العطش. أسأل الله العظيم أن يجعل ذلك ثوابا وأجرا في ميزان حسناته.



وبعد أن وفق الأمير العبقري الفذ صاحب الهمة والعزم والإرادة في جعل المؤسسة العامة للتحلية رقما أولا على مستوى العالم في إنتاج المياه المحلاة من مياه البحر ودولة رائدة في هذا المجال، توجه إلى حلمه بإنشاء البنوك الإسلامية وخلق بديل للفائدة، واقتصاد إسلامي بأدوات مشتقة من المقاصد الشرعية والغايات الإسلامية، كما اهتم بالعلم والتعليم وإنشاء المدارس وتعليم المرأة. رحم الله الأمير الفقيد وجعل سكناه الفردوس مع النبيين والشهداء والصالحين وألهم أهله الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.



أسامة يماني - مستشار قانوني

osamayamani@