غير مراحك

الجمعة - 20 يناير 2017

Fri - 20 Jan 2017

لفت نظري تقرير نشرته إحدى الصحف حديثا عن النسبة المئوية العالية للموظفين الذين لا يعملون في مهنهم الأصلية. لن أدخل هنا في تفاصيل التقرير، ما يهمني هنا أنه أكد لي وجهة نظري الشخصية في أهمية «التغيير الإيجابي» لأي شخص عندما يصل إلى مرحلة معينة من حياته المهنية. هذا التغيير في البيئة يتيح له، ولمن حوله أيضا، النمو الأسرع والأحسن، مما يعود إيجابيا على جميع جوانب الحياة الإنسانية والمهنية.



إن وجدت نفسك لا تستمتع بما تفعل، مع استنزافك لطاقاتك وطاقات من يساندونك بدون تحقيق الفائدة المادية والنفسية لك ولمخدوميك أو مؤسستك، ببساطة نقول لك «غير مراحك». المراح لغة هو الموضع الذي يروح منه القوم أو يروحون إليه، كما جاء في المعاجم اللغوية. أيضا، هذه الكلمة دارجة بين الناس بشكل عام ولدى أهل البادية على وجه الخصوص، لارتباطها بكلمة «المراح» والتي تعني أيضا المأوى ومكان العيش.



لقد درج العامة إجمالا على استخدام المصطلح «غير مراحك» للكنية عن التجديد والبحث عن الأفضل. أهل البادية يفعلون ذلك باستمرار لسببين رئيسيين.

الأول للبحث عن الكلأ والمرعى في مكان آخر بعد استخدامهم المكان الحالي واستهلاك مصادره الطبيعية. السبب الثاني هو إعطاء البيئة والمكان فرصة للتجديد والنمو مرة أخرى. الهدف الأسمى هو الاستمرارية والنجاح في البقاء، لذلك نجدهم يحافظون على بيئتهم التي يحتاجونها طوال العام. تغيير المراح إذن يعتبر صفقة ناجحة للناس وللبيئة، وتحقق المعادلة المشهورة في علم الإدارة، مربح لكلا الطرفين (اكتسب- تكسب).



نؤكد أن التغيير ضروري في حالة الوصول للهدف المنشود لك شخصيا، أو حتى في حالة عدم استطاعتك تحقيق الأهداف المأمولة لك لأي سبب كان. تغيير البيئة يعتبر أحد أهم الأسباب للنمو الشخصي في علم الإدارة للوصول إلى أقصى إمكانات الشخص. لقد تطرق بالتفصيل جون سي. ماكسويل في كتابه «خمسة عشر قانونا لا يقدر بثمن للنمو» ما سماه «قانون البيئة»، وصنفه في المرتبة السادسة. وكما قال سقراط «السر في عمل التغيير يكمن في أن تركز طاقتك ليس في محاربة القديم بل في بناء شيء جديد».



ختاما، لنا في رسول الله محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم المثل والقدوة الأولى التي نستقي منها الدروس الحياتية الشاملة لجميع فروع العلم، فنحن نعلم أنه وصل إلى مرحلة صعبة في دعوته أثناء إقامته في مكة المكرمة، لذلك اتخذ الخطوة الأهم للبشرية جمعاء وقرر الذهاب إلى يثرب «المدينة المنورة» وتغيير بيئة الدعوة ومن ثم حقق النجاح المأمول. كذلك لا ننسى أن نذكر نصيحة سيدنا إبراهيم عليه السلام لابنه إسماعيل عليه السلام عندما أوصاه بالتغيير عند زيارته له.