أزمة البطاطس الأيرلندية

الخميس - 19 يناير 2017

Thu - 19 Jan 2017

يروي التاريخ أحداث معاناة أيرلندا قبل حوالي قرنين من الزمان، وما صاحب تلك المعاناة من مجاعة ساهمت في هجرة ووفاة الملايين من البشر نتيجة الاعتماد الكبير على البطاطس كغذاء بسبب الفقر آنذاك. لم تكن وجبة البطاطس اليومية للأيرلنديين هي المشكلة نفسها، بل اختفاء هذا الغذاء المهم فجأة في تلك الفترة نتيجة آفة زراعية ضربت محاصيل البطاطس حتى قضت عليها في أغلب مناطق أوروبا وليس في أيرلندا وحدها، إلا أن الدول الأوروبية الأخرى استطاعت تجاوز هذه الأزمة، نظرا لعدم الاعتماد الكلي على منتج وحيد من الغذاء، بعكس ما كان يحدث تقريبا في أيرلندا التي تمتلك وفرة عالية من الموارد الطبيعية تمكنها من توفير الغذاء البديل، ولكن غياب الإدارة والتخطيط كان كفيلا بتهميش تلك الموارد حتى وقع الخطر.



توافينا الصحف بشكل مستمر عن حجز مركبات تحمل كميات كبيرة مقطوعة من الأشجار البرية التي تواجه حملة شرسة خصوصا في فصل الشتاء. تلك الأشجار تشكل فقط 4.25%‏ من نسبة ما نمتلكه من الغطاء النباتي الذي لا تزيد مساحته أصلا عن 1.2% من إجمالي مساحة المملكة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة من الجهات المختصة في منع العابثين، إلا أن القطع والعبث ببيئة تواجه مشاكل التصحر بنسبة 95%‏ من أراضي المملكة لا يزال قائما ومستمرا.



لا تقتصر أهمية الغطاء النباتي في تجميل المنظر العام، واستخدامه للراحة والاستجمام، بل تمتد أهميته إلى أنه أهم الثروات الطبيعية المتجددة، واختفاؤه هو اختفاء كامل الكائنات الحية على سطح الأرض، حيث يقول تقرير السكرتير التنفيذي لمعاهدة الأمم المتحدة حول مكافحة التصحر «إن الخطر الأكبر عالميا هو إزالة الغابات وما يصاحبها من ازدياد رقعة التصحر وقلة الأمطار وجفاف التربة، مما يتسبب في تحويل الأراضي إلى عديمة القيمة، والتي بدورها تهدد ملايين البشر بالهجرة والنزوح إلى مدن أخرى تؤويهم، حيث يوجد الآن حوالي 25 مليون إنسان في الدول النامية هجروا أراضيهم نتيجة حدة التصحر، ويعرفون في الوثائق الرسمية باللاجئين البيئيين».



التحول إلى مجتمع مستدام بيئيا يبدأ أولا من مراجعة ‏السلوك البشري الذي ساهم في تدهور الثروات الطبيعية، وخلل في معالم النظام البيئي. ثم يأتي ثانيا في تفعيل الأنظمة البيئية وتطبيق بنودها لتعديل سلوك العابثين، وحماية ما نمتلكه من إرث نباتي متنوع يزيد تعداد أنواعه على 2250 نوعا.



إن غياب الإدارة الناجحة في أيرلندا وضعف تقييم المخاطر مع عدم توقع حدوث المشكلة سهل وقوعها وصعب السيطرة عليها. وهذا هو التحدي الذي يواجه مؤسساتنا الحكومية المعنية بإدارة بيئاتنا التي تواجه خطر التصحر مع استمرار الاعتداء عليها، مما تحتاج إلى تكثيف الوعي البيئي بين جميع شرائح المجتمع ومحاسبة العابثين لتجنب وقوع الخطر ومحاولة السيطرة عليه، وكذلك خدمة لبيئتنا الجميلة وكل من يحتاج إليها، جيلا بعد جيل.